وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) أخبر أن ما يعطى لهم من الآخرة والفضل منه، لا أنهم يستوجبون ذلك، وسماه: كبيرًا؛ لأنه دائم لا ينقطع أبدًا.
وقوله: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣)
قوله: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّه) أي: الذي ذكر من الفضل الكبير، ووعد أنه يعطيهم، يبشر اللَّه - تعالى - به من ذكر: (عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، واللَّه أعلم.
وقوله: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال بعض أهل التأويل: قالت الأنصار: إنا فعلنا، وفعلنا كذا؛ فكأنهم افتخروا، وقالوا: لنا الفضل عليكم، فبلغ ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فأتاهم فقال: " يا معشر الأنصار، ألم تكونوا أذلة فأعزكم اللَّه تعالى؟ " قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: " ألم تكونوا فقراء فأغناكم اللَّه تعالى؟ " قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: " أفلا تجيبونني؟ " قالوا: ما نقول يا رسول اللَّه؟ قال: " ألا تقولون: ألم يخرجك قومك فآويناك؟ أولم يكذبوك فصدقناك؟ أولم يخذلوك فنصرناك؟ " قال: فما زال يقول حتى جثوا للركب بين يديه، وقالوا: أموالنا وما في أيدينا لرسول اللَّه، والفضل لرسوله؛ فنزل قوله - تعالى -: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) لكن ذكر في الخبر ما لا يليق ذلك بالأنصار أن يظنوا ذلك برسول اللَّه، وكذلك ما ذكر من فخرهم وقولهم: " لنا الفضل عليكم " هذا لا يحتمل منهم؛ فدل أن الحديث غير صحيح، أو الزيادة التي لا تحتمل، واللَّه أعلم.
وفي بعض الأخبار: أن الأنصار - رضي اللَّه عنهم - قالوا: إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - تنوبه النوائب من القرابة وغيرهم، فتعالوا حتى نجمع له شيئًا من أموالنا، فيستعين على من ينوبه من الحقوق، ففعلوا، ثم أتوا به، فقالوا: إنك قد تنوبك نوائب وحقوق، وليس عندك لها سعة، فأتيناك بشيء تستعين به على ما ينوبك من النفقة في أهلك والنازلين بك، فنزل قوله: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) وهو يخرج، على وجوه:
أحدها: يقول: لا أسألكم على ما أبلغكم من الرسالة، وأدعوكم إلى الإيمان باللَّه - تعالى - وبي أجرا إلا صلة أرحامكم وقرابتكم؛ أي: لا أسألكم على تبليغ الرسالة إليكم وما أدعوكم إليه أجرًا، إلا أن تصلوا قراباتكم وأرحامكم؛ فتدل الآية على وجوب صلة الأرحام.
ويحتمل أن يكون ذكر هذا ردًّا لقول أُولَئِكَ الكفرة؛ حيث قالوا: إن محمدًا جاء يقطع


الصفحة التالية
Icon