واختلف في قوله: (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا):
قَالَ بَعْضُهُمْ: أفنترك ونذر الذكر سدى (أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ) أي: لأنكم كذا، ولأجل أنكم كذا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أفنترك الوحي لا نأمركم بشيء، ولا ننهاكم عن شيء، ولا نرسل إليكم رسولا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (أَفَنَضْرِبُ) أي: أفنذهب عنكم بهذا القرآن سدى، لا تسألون، ولا تعاقبون على تكذيبكم إياه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ) أي: فيمسك عنكم فلا يذكركم (صَفْحًا) أي: إعراضًا؛ وهو قول الْقُتَبِيّ؛ يقول: صفحت عن فلان: أي: أعرضت عنه، وأصل ذلك أنك توليه صفحتك؛ يقال ضربت وأضربت عن فلان: أي: أمسكته.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (أَفَنَضْرِبُ) أي: مسكت؛ ضربت وأضربت، أي: مسكت.
وقوله: (صَفْحًا) أي: ردًّا؛ يقال: سألني فلان حاجة فصفحته صفحًا؛ أي: رددته، واللَّه أعلم.
وبعضه قريب من بعض.
ثم الأصل عندنا أن الذكر يحتمل ما قالوا فيه من المعاني الثلاثة: القرآن، والرسول، والعذاب؛ لكن لا يحتمل قوله: (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا) أن يخرج على الابتداء على غير تقدم النوازل؛ لأنه لا يبتدأ بمثله.
ثم النوازل يحتمل أن كان منهم قول يقولون: يا مُحَمَّد، لو كان ما تقوله أنت: إنه من عند اللَّه وإنك رسوله، فكيف أنزل الكتاب أو أرسل الرسول إلينا على علم منه أنا نكذبه ونرده ولا نقبله، ومن علم من الملوك في الشاهد أنه يكذب رسوله ولا يقبل، لا يبعث الرسول، فكيف بعثك رسولا إلينا، أو أنزله عليك، أو بعثك رسولا فكذبناه وكذبناك، ورددناه ورددناك، فلا يرفعه ويرفعك دون تركه فينا؟ فيقول اللَّه - تبارك وتعالى - جوابًا لهم وردًّا لقولهم: (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ) ويقول: إنا لا نترككم سدى وإن علمنا منكم التكذيب والرد للرسول والوحي، ولا يمنعنا ذلك عن إنزاله إليكم، وتركه فيكم، ولا يحملنا ذلك على رفعه من بينكم؛ بل نأمركم وتنهاكم وإن كنتم تكذبونه ولا تقبلونه؛ وهذا لما ذكرنا في غير موضع أن حرف الاستفهام من اللَّه -


الصفحة التالية
Icon