اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ...) إلى آخر ما ذكر، وكل حرف مما تقدم ذكره من قوله: (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا) ونحو ذلك.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ) يحتمل أن يرجع إلى معنى آخر غير المعنى فيما ذكر من الآيات، وكل حرف من هذه الحروف يرجع إلى فريق غير الفريق الآخر؛ لأنهم كانوا في المذاهب مختلفين متفرقين.
وجائز أن يرجع الكل إلى معنى واحد، واللَّه أعلم.
وفي هذه الآيات ما ذكرنا من الوجوه من تصبير رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على أذى القوم، ومن بيان سفه أُولَئِكَ، ومن التحذير لما تأخر منهم، واللَّه أعلم.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ) أي: يرى في الحلي، وهي البنات، يريد جعلهم بنات لله - تعالى - وهم إذا كان لأحدهم بنت (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ)؛ أي: حزين، والخصام جمع: خصيم (غَيرُ مُبِينٍ) أي: غير مبين الحجة.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ) أي: ينشأ؛ كما يقال: ينشأ الصبي ينشأ، أي: يشب ويرتفع، والخصام: المخاصمة.
وقال أبو معاذ: (يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ) - واللَّه أعلم -: البنت، ويقرأ (يُنَشَّأُ) بالتشديد، و (يُنْشَأُ) بالتخفيف، وهما لغتان، وقرأ بعضهم: (يَنْشَأُ في الحلية)، والله أعلم.
وقوله - عز رجل -: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (١٩)
فَإِنْ قِيلَ: كيف سفههم في جعلهم عباد الرحمن إناثًا، وقد جعل اللَّه من عباده إناثًا، لماذا عاتبهم على ذلك؟
قيل: عن هذا وجهان:
أحدهما: إنما سفههم وعاتبهم؛ لشهادتهم على اللَّه - سبحانه وتعالى - أنه جعل الملائكة إناثًا، وهم لم يشاهدوها، ولا يؤمنون بالرسل - عليهم السلام - حتى يقع لهم العلم والخبر بذلك بقول الرسل، واللَّه أعلم.
والثاني: أن اللَّه - تعالى - وصف ملائكته بأنهم لا يفترون عن عبادته، وأنهم لا يستحسرون، وأنهم مطيعون لله - تعالى - على الدوام بحيث لا يرد منهم عصيان طرفة عين؛ على ما نطق بذلك الكتاب، فهم إذا قالوا: إنهم إناث، وصفوهم بالضعف والعجز، فلا يتهيأ لهنّ القيام بما ذكر، واللَّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon