المرسِل، فيقول: إن كان ما يقول حقًّا فهلا ألقي عليه الأساور تعظيمًا، وهلا كان معه الملائكة مقترنين؛ تعظيمًا له وإجلالا، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) أي: هلا سوّر؟ لأن الرجل منهم إذا ارتفع فيهم سوروه، أو جاء معه الملائكة مصدقين له بالرسالة.
قَالَ الْقُتَبِيُّ وأَبُو عَوْسَجَةَ: أساور وأسورة جمع السوار، ورجل أسوار؛ أي: رامي، وقوم أساورة، وإنما سمي الرامي: أسوارًا؛ لأنه إذا أجاد الرمي جعل في يده سوارًا من ذهب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٥٤)
قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: فاستخف بقومه واسترذلهم فأطاعوه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) أي: استرذلهم واستفزهم بالخروج على أتباع موسى وطلبه فأطاعوه، وذلك أنه أمرهم بالخروج معه في طلب موسى لما خرج من عندهم نحو البحر، فأطاعوه في ذلك، وخرجوا معه في طلبه، حتى أصابهم ما أصابهم؛ وكأن هذا أشبه وأقرب، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥).
هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: أي: فلما عملوا الأعمال التي استوجبوا لها الغضب انتقمنا منهم على ذلك؛ لأن ظاهر قوله - تعالى -: (آسَفُونَا) أي: أغضبونا، وصفة الغضب على الحدوث لله - تعالى - لا تجوز، فكأن المراد منه: ظهور أثر الغضب استوجب العذاب، والله أعلم.
والثاني: (فَلَمَّا آسَفُونَا) أي: أغضبوا أولياءنا (انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ)؛ أي: سلطنا عليهم بدعاء أُولَئِكَ الأولياء.
أو ننتقم منهم بسبب إغضابهم أولياءنا، وهو كقوله - تعالى -: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ)، أي: يخادعون أولياء اللَّه؛ فعلى ذلك هذا.
وقوله: (فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (٥٦) هو يخرج على وجهين:
أحدهما: جعلناهم في العقوبة سلفًا للمتأخرين ومثلا للمؤمنين؛ أي: عبرة لهم، وهو كقوله: (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ).