أي: خالصًا سالمًا، لا حق لأحد فيه سواه، والإيمان هو الوصف له بالربوبية في كل شيء، ومعناهما في الحاصل والتحقيق يرجع إلى معنى واحد؛ لأنك إذا وصفته بالألوهية والربوبية جعلت كل شيء لله سالمًا، وإذا جعلت كل شيء لله - تعالى - سالمًا وصفته بالألوهية والربوبية في كل شيء؛ فدل أن حاصل الإيمان والإسلام واحد، وإن كانا من حيث ظاهر العبارة مختلفين، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يحتمل الأزواج من وجهين:
أحدهما: الأزواج المعروفة؛ وهي الأهل؛ لما وقوهم في الدنيا عن الأسباب التي بها يستوجبون النار؛ كقوله - تعالى -: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا).
ويحتمل الأزواج التي ذكر: القرناء، والأشكال الذين أعانوا على الأعمال الصالحة التي بها نالوا الجنة كقوله - تعالى -: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ)، أزواجهم - هاهنا - قرناؤهم الذين أعانوهم على ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تُحْبَرُونَ).
قال أَبُو عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ: أي تسرون، والحبرة: السرور.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (تُحْبَرُونَ) أي: تكرمون وتنعمون، وهو ما ذكرنا؛ أي: ليس عليهم خوف الزوال والفناء ولا حزن الحال، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٧١).
يحتمل ذكر الصحاف من الذهب والأكواب وجوهًا:
أحدها: ذكر ذلك لهم في الآخرة؛ ترغيبًا لهم فيها، وتحريضًا لما يرغبون بمثل ذلك إلى السعي للآخرة، واللَّه أعلم.
والثاني: يحتمل إنما ذكر ذلك؛ لأن أهل الدنيا كانوا يتفاخرون بهذه الأشياء في الدنيا، فيخبر أن لأوليائه ذلك في الآخرة، وذلك دائم، وهذا فانٍ، ولا عبرة للفاني؛ فلا معنى للافتخار به.
ويحتمل أنه ذكر ذلك؛ لأنه حرم عليهم الانتفاع في الدنيا باستعمال الذهب والفضة والحرير، فأخبر أن لهم الانتفاع بذلك في الآخرة التي هي دار التنعم، فأمَّا ما سوى ذلك من الفرش والأواني فإنه لا بأس بذلك، وهو مباح في الدارين جميعًا.