أو ما أقام من الآيات في العالم على التكوين يدل على جعل الألوهية والربوبية له.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ) على ما ذكرنا من أمر التكوين؛ أي: ما اختلفوا في صرف الألوهية والوحدانية عن اللَّه - تعالى - إلى غيره (إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي: إلا من بعد ما بين لهم أن الألوهية والربوبية له بالدلالة الواضحة والحجة النيرة، وأن له الخلق والأمر؛ إلا أنه ذكر العلم وأراد به أسباب العلم ودلائله، واللَّه أعلم.
والثاني: يحتمل قوله - تعالى -: (وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ): أمر المجيء من الأمر والنهي، والتحليل والتحريم، وبيان ما يؤتى وما يتقى، وما لهم وما عليهم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ) واختلافهم فيما امتحنوا يتوجه إلى وجوه:
أحدها: ما اختلفوا فيما امتحنوا من الدِّين، أو فيما امتحنوا في اتباع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والإجابة له إلى ما يدعوهم إليه والطاعة له.
ويحتمل: اختلافهم الذي ذكر الاختلاف في القرآن، أو فيما امتحنوا من التحليل والتحريم.
ثم يخبر اللَّه - تعالى جل وعلا - أنهم ما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بالحق في ذلك والبيان أنه من اللَّه، وأن ما هم عليه باطل مضمحل.
ثم أخبر أن اختلافهم إنما هو لبغي بينهم وحسد، حملهم ذلك على الاختلاف فيما بينهم.
ثم أخبر أنه (يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
ثم قوله - تعالى -: (يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: يجزيهم في الآخرة جزاء اختلافهم في الدنيا.
أو (يَقْضِي): أي: يفصل ويبين لهم يوم القيامة الحق من الباطل، والمحق والمبطل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨) يحتمل أن يكون هذا صلة قوله - تعالى -: (وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ) كأنه يقول: وآتيناهم بينات من الأمر، وجعلنا ذلك شريعة لك، فاتبعها أنت وإن لم يتبعوها هم.
والشريعة: هي الملة والمذهب، وهي ما شرع فيه ويذهب إليه؛ كذلك قاله الْقُتَبِيّ؛ قال: يقال: شرع فلان في كذا إذا أخذ فيه، ومنه: مشارع الماء: الفُرَض التي يشرع فيها