وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) كان أهل النفاق يكرهون نزول ما ينبئهم عما في ضميرهم من النفاق والارتياب، كقوله - تعالى -: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ)، وإذا أنزلت السورة يزداد لهم ما ذكر؛ حيث قال: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَوْلَى لَهُمْ) قال أهل التأويل: هذا وعيد لهم؛ كقوله: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى...) الآية، لكن ظاهره ليس بتوعد ولا تهدد، إنما ظاهره، أي: أحرى لكم وأولى أن تطيعوه، وأن تقولوا معروفًا، فإذا تركوا ذلك يكون وعيدًا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ... (٢١) اختلف في تأويله:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هو صلة قوله: (فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ)، وعزم الأمر؛ فعند ذلك كان ما ذكر من المنافقين حيث قال: (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)، وليس في نفس ذكر القتال ما ذكر من نظر المغشي عليه من الموت إنما ذلك الوصف وتلك أن حال عند وجوب القتال، ولزومه، وتأكيده عليهم، وذلك في قوله - تعالى -: (فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ) أي: وجب وفرض، فعند ذلك يكون حالهم ما ذكر، فأما بذكر نفس القتال فلا، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ) هو في الآخرة، أي: فإذا تحقق وظهر ما كان أوعدهم الرسول - عليه السلام - من نزول العذاب بهم في الآخرة (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ) في الدنيا لكان خيرًا لهم في الآخرة؛ حيث كان لا ينزل العذاب بهم في الآخرة؛ أي: لو صدقوا رسول اللَّه فيما يوعدهم من العذاب أنه ينزل بهم في الآخرة وتركوا مخالفته في الدنيا - لكان خيرًا لهم في الآخرة، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)