وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) أي: أصمهم حتى لم يسمعوا سماع الاعتبار والتفكر، وأعمى أبصارهم حتى لم ينظروا فيما عاينوا نظر اعتبار وتفكر ما لو تفكروا وتأملوا ونظروا نظر معتبر، لأدركوا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤).
فيه أنهم لو تدبروا وتأملوا فيه، لأدركوا ما فيه.
وفيه - أيضًا - أنهم لو تدبروا العذاب لفتح تلك الأقفال التي ذكر أنها عليها، وذهب بها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) أي: على قلوب أقفالها.
ثم يحتمل أقفالها: الظلمة التي فيها، وهي ظلمة الكفر، تلك الظلمة تغطى نور البصر ونور السمع.
وجائز أن يكون ما ذكر من الأقفال هي كناية عن الطبع، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥) أي: زين، أضاف التزيين مرة إلى الشيطان، ومرة إلى نفسه، فما يفهم من تزيين الشيطان غير الذي يفهم من تزيين اللَّه - تعالى - كالإضلال المضاف إلى اللَّه - تعالى - والمضاف إلى الشيطان، فالمفهوم من إضلال اللَّه غير المفهوم من إضلال الشيطان؛ فعلى ذلك التزيين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَمْلَى لَهُمْ) أي: أخرهم وأمهلهم إلى أجل ووقت؛ كقوله - تعالى -: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ...) الآية، أي: يؤخرهم؛ ليكون ما ذكر، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى...) الآية، جائز أن تكون الآية في اليهود؛ لما ذكرنا أنهم كانوا آمنوا به قبل أن يبعث؛ كقوله: (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ...) الآية، ارتدوا على أدبارهم من بعد ما آمنوا به واتبعوه.
وجائز أن تكون في المنافقين، ارتدوا على أدبارهم، وأظهروا الخلاف بعد وفاة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وبعدما أظهروا الموافقة في حياته، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (٢٦) قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ) إن كان راجعًا إلى قوله: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ) كان المراد بذلك اليهود - فالمعنى فيه غير المعنى لو كان في المنافقين.
وإن كان قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ) راجعا إلى قوله: (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ) فإذا احتمل ذلك


الصفحة التالية
Icon