بها في الدنيا، واستمتعت أنفسهم وتلذذت، وانتفعوا بها - أيضًا - في الآخرة وقت حاجتهم وفقرهم بذلك تتحقق وتحصل لهم تلك الأموال، فأما عند تركهم الإنفاق فيما أمروا بالإنفاق والبذل فلا تتحقق لهم تلك الأموال المجعولة في أيديهم؛ لأنه إما أن تجعل لوارثهم أو يأخذها منهم بلا سبب من غير أن يجعل لهم بذلك نفع يحصل لهم، فيكون ما ذكرنا، فذلك تأويل قوله - تعالى -: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) - واللَّه أعلم - لما يهلك نفسه بترك الإنفاق منه ولم يتمتع ولم ينتفع به وقت حاجته إليه في الآخرة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) عن الصدقة والإنفاق في طاعة اللَّه، (وَمَنْ يَبْخَلْ) بالصدقة في طاعة اللَّه (فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) بالجزاء، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) أي: (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ) عن إنفاقكم وعما يأمركم بالإنفاق، (وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) إلى ما تنفقون؛ أي: أنتم المنتفعون بذلك الإنفاق الذي يأمركم به، لا أنه ترجع منفعة ذلك إليه، أو يأمر لحاجة نفسه، ولكن إنما يأمركم بذلك لحاجتكم إليه يومًا، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن يكون يقول: (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ) عنكم وعما في أيديكم (وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) إليه في كل وقت، وكل ساعة، في جميع أحوالكم وأوقاتكم؛ كقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
ويحتمل: (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ) عن أموالكم، (وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) إلى مغفرته ورزقه وجنته ورحمته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: قد تولوا، وهم أهل مكة، واستبدل قومًا غيرهم وهم أهل المدينة، لكن هذا بعيد؛ لأن السورة مدنية؛ فلا يحتمل الخطاب بها لأهل مكة بقوله: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا).
ومنهم من يقول: اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أخبر ووعد أهل المدينة أنهم إن يتولوا استبدل غيرهم أطوع منهم لله - تعالى - فلا تولوا هَؤُلَاءِ ولا استبدل غيرهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو على وجهين:
أحدهما: قوله: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ)، أي: لم تتولوا ولم يستبدل قومًا غيركم.
والوجه الآخر: قد تولوا واستبدل بهم النخع، وأحمس، وناس من كندة، والذين تولوا حنظلة وأسد، وغطفان، وبنو فلان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) أي: لا يكونوا أمثالكم في الطاعة لله -


الصفحة التالية
Icon