الكل، وكذلك لو كان في أمر واحد وفعل واحد كان يدخل في ذلك جميع الأمور، فكيف والخطاب بذلك عام مطلق؟! فهو للكل، وفي كل الأمور، واللَّه الموقق.
وعلى ذلك ما روي عن مسروق أنه دخل على عائشة - رضي اللَّه عنها - فأمرت الجارية أن تسقيه، فقال: إني صائم -وهو اليوم الذي يشك فيه- فقالت له: قد نهي عن هذا، وتلت قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) في صيام ولا غيره.
اعتبرت عائشة - رضي اللَّه عنها - عموم الآية في النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله ومخالفة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في كل قول أو فعل.
وكذلك روي عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال في قوله: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) أي: لا تعجلوا بالأمر والنهي دونه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي: اتقوا مخالفة أمر اللَّه ونهيه قولا وفعلا، واتقوا مخالفة رسوله فيما يأمركم بأمر اللَّه ونهيه، وفي كل ما دعاكم إليه (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بأفعالكم وأعمالكم، ولا قوة إلا باللَّه.
ثم لم يفهموا مما ذكر في قوله: (بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) الجوارح ولا العدد في اليد كما فهموا من ذلك في الخلق، فما بالهم يفهمون ذلك من قوله: (خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)، أي: خلقته على علم مني بما يكون منه من خلاف أو معصية، لم أخلقه عن جهل بما يكون منه، وهو ما ذكر في قوله - تعالى -: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، و (خَبِيرٌ)، أي: عن علم بأحوالهم وما يكون منهم أنشأهم لا عن جهل بذلك، فعلى ذلك هذا، كما فهموا من قوله: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ) أمر اللَّه ونهيه دون الجوارح والعدد، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ (٢)...) إلى قوله: (لِبَعْضٍ) قَالَ بَعْضُهُمْ: إن الآية نزلت في أبي بكر وعمر - رضي اللَّه عنهما - اختلفا في شيء بحضرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فارتفعت أصواتهما.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إنها نزلت في قوم كانوا إذا سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن شيء قالوا فيه قبل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.