الحقيقة كي لا تصيبوا قومًا بجهالة، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن يكون قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) فإليه الرأي والتدبير في الأمور، ومن رأيه وتدبيره يجب أن يصدر، لا عن رأي أنفسكم وتدبيركم، وعلى ذلك يخرج قوله: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ)، على الوجوه التي ذكرنا، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) أي: لو يطيعكم فيما تدعو إليه أنفسكم من التمويهات والشبهات وهواها.
أو يقول: لو يطيعكم في الصدور عن آرائكم وتدبيركم في الأمور لعنتم، ثم قال: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) هذا في الظاهر كناية غير موصولة بقوله: (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)؛ لأنه لا يليق ذلك إلا على الإضمار، كأنه يقول: لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم، وإن اللَّه قد أرسله إليكم رسولا، وحبب إليكم الإيمان به وزينه في قلوبكم حتى صار هو في قلوبكم أحب من أنفسكم ومن كل شيء، فالواجب عليكم أن تصرفوا الأمر إلى رأيه وتدبيره، وأن تصدروا عن رأيه، ولا تعتمدوا على رأي أنفسكم وتدبيركم، واللَّه أعلم.
ويحتمل: أي: لا تدعوه إلى أن يطيعكم فيما تهوى به أنفسكم، واشتهت بعدما حبب الإيمان إليكم وزينه في قلوبكم، وكره إليكم الكفر وما ذكر، واللَّه أعلم بحقيقة جهة وصل هذا بالأول.
ثم يحتمل وجهين أيضًا:
أحدهما: لو يطيعكم الرسول في كثير من الأمر لعنتم، ولكن اللَّه - تعالى - ألزمكم طاعته في كل أمر، فأطيعوه ولا تطلبوا منه طاعته إياكم في الأمور، ولكن أطيعوه أنتم في الأمور كلها، وقد حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم، وكره إليكم الكفر والفسوق -وهو الخروج عن أمره- والعصيان.
والثاني: يشبه أن يكون موصولا بقوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى)، و (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)، ثم قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) كأنه يقول: أُولَئِكَ الذين امتحن اللَّه قلوبهم للتقوى، وحبب إليهم الإيمان، وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان (أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)، أخبر وشهد لهم بالرشاد، وأخبر أن ذلك فضل منه إليهم ونعمة، لا شيء كان منهم استوجبوا


الصفحة التالية
Icon