بذلك؛ فذلك قوله: (فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨).
ثم قالت المعتزلة في قوله - تعالى -: (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ) وما ذكر، يقولون: لم يحبب الإيمان إلى هَؤُلَاءِ إلا وقد حبب مثله إلى جميع الكفار، وكذلك لم يكره الكفر إلى هَؤُلَاءِ إلا وقد كره مثله إلى جميع الناس، لكن المراد تخصيص هَؤُلَاءِ بما ذكر من التحبيب إليهم الإيمان، وتكريه الكفر هو اختصاصهم بما وعد من الثواب والجزاء الجزيل على الإيمان والمواعيد الشديدة، فحببه وزينه في قلوبهم بما وعد لهم من الثواب، وكره الكفر والعصيان إليهم بما أوعد على ذلك من العذاب العظيم.
لكن هذا فاسد؛ لأنه ليس مؤمن به صار حب الإيمان في قلبه لما ذكروا من الثواب والجزاء، ولا كافر أسلم حين أسلم يخطر ثواب الإيمان في قلبه حتى يكون إسلامه لذلك؛ بل كان في قلبه بغض الإيمان قبل الإسلام، فإذا أسلم وجد حبه في قلبه، وكراهة الكفر؛ ليعلم أن ذلك يكون بلطف من اللَّه - تعالى - كان عنده، فإذا أعطاه صار ما ذكر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا... (٩).
قَالَ بَعْضُهُمْ: كان بين رجلين مدارة -أي: منازعة- في شيء، فغضب قوم كل رجل حتى كان بينهم خفق بالنعال والأيدي، فنزلت الآية.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: كان بين الأوس والخزرج قتال بالعِصِي؛ فنزلت عنده الآية بالأمر بالصلح بينهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قتالهم بالعِصِي، والتناجي، ونحوهما.
وقال الحسن: إن قومًا من المسلمين كان بينهم تنازع حتى اضطربوا بالنعال والأيدي، فأنزل اللَّه - تعالى - هذه الآية في ذلك.
وقال قتادة: كان بين رجلين حق فتدارا فيه، فقال أحدهما: [لأخذته عنوة]-لكثرة عشيرته- وقال الآخر: بيني وبينك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فتنازعا حتى كان بينهما ضرب بالنعال والأيدي.
وجائز أن تكون الآية فيما كان بين عليَّ بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبين


الصفحة التالية
Icon