ما أوعده، وإن كان يجوز ألا يفعل به أو لا يقدر على ما أوعده، وعلى ذلك موضوع عامة الأحكام والشرائع بين الخلق أنها على غالب الظن وضعت ليس على التحقيق، والله أعلم.
ويحتمل أن يرجع ما استثنى من الظن القليل الذي لا إثم فيه إلى الظن الحسن؛ إذ يجوز أن يظن بالإنسان الظن الحسن؛ ولا إثم فيه، إنما الأمر بالاجتناب إلى الظن بالسوء على غير تحقق أسباب أو غير تحقيق عين ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَجَسَّسُوا) التجسس: هو تكلف طلب المساوئ في الناس من غير أن يظهر منهم من أسبابها شيء، فنهى عن تكلف طلب ذلك أو من الإظهار وأمر بالستر، وبمثل ذلك روي في الأخبار عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قيل له: هل لك في فلان يعطر لحيته خمرًا، فقال عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن يظهر لنا شيء نأخذه، وإلا فإن اللَّه - تعالى - قد نهانا عن التجسس، واللَّه أعلم.
وفرق بعضهم بين التجسس والتحسس، فقَالَ بَعْضُهُمْ: بالجيم في الشرور والمساوئ، وبالحاء في الخير وفيما يباح طلبه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) الغيبة ترجع إلى وجهين:
أحدهما: أن يذكر ما فيه من مساوئ الأفعال التي سترها عن أعين الناس مما يكره إظهار ذلك عنه.
والثاني: يذكر ما فيه من قبح الأحوال والأخلاق التي لا يكاد يذكر ذلك منه أو يظهر، وعلى ذلك روي في الخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى أن يذكر الرجل أخاه بما فيه مما يكره، فقيل: إنما كنا نذكره بالشيء الذي فيه، لا بما ليس فيه، قال: " ذلك البهتان ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) أي: لا يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه بعد موته، فكأنه يقول: فإذا لم يحب هذا وكرهه؛ بل يستقذره كل استقذار فالغيبة هي تناول من أخيك وهو حي، فهو في القبح يبلغ التناول منه بعد موته، فإن كان لا أحد يتناول من لحم أخيه بعد موته، لا في حال اختياره، ولا في حال اضطراره، فلا تغتابوا ولا تذكروا منه ما فيه؛ فإنه في القبح ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى... (١٣) تأويل الآية على وجهين: