ويحتمل ما ذكر من الحق - هاهنا - هو الموت نفسه؛ أخبر أنه لا بد من الموت، وأنه كائن لا محالة، وهو كقوله - تعالى -: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ)، يقول: لم يخلق الخلق للخلود في الدنيا، ولكن للآخرة، فلا بد من الموت، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) يحتمل وجهين:
أي: أتاك ما كنت تكره مجيئه وتنكر، ولم تؤمن به، وهو البعث ويوم القيامة الذي ينكرونه ويكرهونه.
والثاني: يحتمل الموت نفسه؛ أي: أتاك ما كنت تكره وتفر منه؛ إذ هم كانوا يكرهون الموت ويفرون منه؛ كقوله - تعالى -: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ)، أي: يأتيكم من حيث لا مفر لكم عنده.
ثم الحيد: الميل والكراهة.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: الحيد: الفرار، يقال: حاد يحيد حيدًا فهو حائد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠).
يحتمل أن يكون أراد النفخة الأولى، وهي النفخة التي يفزع عندها أهل السماوات والأرض فيموتون.
ويحتمل أن يريد النفخة الثانية التي عندها البعث وإدخال الأرواح في الأجساد.
ويحتمل أن يريد عندما يوضع كل واحد في القبر، وهو أن يسأل، على ما جاءت الأخبار من سؤال منكر ونكير، وذلك أيضًا هو يوم الوعيد في حق ذلك الرجل، وهذا للكافر خاصة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) أي: ذلك يوم وقوع الوعيد؛ إذ يوم الوعيد الدنيا، فأما القيامة فهو يوم وقوع الوعيد وتحققه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١).
قَالَ بَعْضُهُمْ: السائق: الذي يقبض روحه، والشهيد: الذي يحفظ عمله.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: السائق: هو الملك الذي يكتب عليه سيئاته، والشهيد هو الذي يكتب حسناته.
وقيل: السائق: هو النار التي تأتي تسوق الكفرة إلى المحشر، والشهيد هو عمله الذي عمل في الدنيا.
وقيل: السائق: الكاتب، والشهيد: جوارحه بقوله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ