لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)، وكذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)، وصف لها بالتزين والحسن الظاهر ما لو لم يتأمل الناظر فيها العاقبة لاغتر بها من حسنها وزينتها؛ فعلى ذلك هذا، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) يخرج على وجهين:
أحدهما: هل بقي من أحد يزاد فيَّ فإني قد امتلأت، وليس فيَّ سعة تحتمل غيرهم.
والثاني: (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أي: فيَّ سعة عظيمة، فهل من زيادة خلق أمتلئ بها؟ لأن اللَّه - تعالى - وعد أن يملأ جهنم، كما قال: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، فتسأل المزيد من ربها لتمتلئ، واللَّه أعلم بذلك.
وقال بعض أهل التأويل بأنها تسأل الزيادة حتى يضع الرحمن قدمه فيها فتضيق بأهلها حتى لا يبقى فيها مدخل رجل واحد، وروي خبر عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، وأنه فاسد، وقول بالتشبيه، وقد قامت الدلائل العقلية على إبطال التشبيه، فكل خبر ورد مخالفًا للدلائل العقلية يجب رده، ومخالف لنص التنزيل، وهو قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ثم هذا القول على قول الشبهة -على ما توهموا- مخالف للكتاب؛ لأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - قال: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، وعندهم لا تمتلئ بهم ما لم يضع الرحمن قدمه فيها.
ثم ذكر البلخي أن مدار ما ذكروا من الحديث على حماد بن سلمة، وكان خرفًا مفندًا في ذلك الوقت لم يجز أن يؤخذ منه، مع ما روي في خبر أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " يأتي اللَّه - تعالى - ببشر فيضع في النار حتى تمتلئ " فهذا يحتمل، لا ما رووا، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) أي: قربت، وذكر في آية أخرى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا)، ذكر - هاهنا - تقريب الجنة إلى أهلها، وذكر ثَمَّ سوق أهل الجنة إليها، فبين الآيتين مخالفة من حيث الظاهر، ولكن يحتمل وجهين:
أحدهما: أن أهل الجنة إذا قربوا منها بالسوق إليها قربت هي إليهم؛ لأن أحد الشيئين إذا قرب إلى الآخر قرب الآخر منه، ويزول البعد بزوال المسافة، وذلك معروف.
ويحتمل أن يكون إخبارًا عن وصف الجنة أنها بحال تقرب إلى أهلها وتزلف، ذكر في الجنة التقريب؛ وفي النار البروز والظهور بقوله - تعالى -: (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ)، فهو - واللَّه أعلم - أن أهل النار كانوا يجحدون النار وينكرونها، وبرزت الجحيم ليرونها ويطلعون عليها، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ)