(فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)، وانتظر (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ)، ولا تكافئهم، ولا تنتقم منهم، ولكن اصبر وانتظر ذلك اليوم.
ثم قوله: (يُنَادِ الْمُنَادِ) يخرج على وجهين:
أحدهما: كقوله تعالى: (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ)، (يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ)، أي: يوم يدعوهم الداعي إلى شيء أنكروه.
والثاني: ما ذكر من نداء بعض لبعض؛ كقوله: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ) الآية، وقوله: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ)، يقول - عَزَّ وَجَلَّ -: انتظر يوم ينادون ويدعون إلى ما أنكروا، ويوم يناد بعضهم بعضا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) أي: من مكان يسمعون ما ينادون ويدعون، ويعرفون ما يراد بالدعاء، ومن يراد به، ينتهي ذلك الدعاء والنداء إلى كل في نفسه حتى يعرفه.
وذكر أهل التأويل: أن المنادي هو جبريل - عليه السلام - ينادي عند بيت المقدس بنداء يسمعه كل أحد، وبيت المقدس أرفع مكان في الأرض، وهو يقرب من السماء بكذا كذا ذراعًا، فهو المكان القريب.
ولكن هذا لا معنى له؛ فإنه يسمع صوته جميع الخلائق وإن لم يقم في ذلك المكان، وليس المراد من القرب ما ذكروه، ولكن على الإسماع في أي موضع كانوا، ومن يسمع شيئا فذلك منه قريب، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ... (٤٢) الصيحة: النفخة، أو النداء الذي ذكر.
ثم قوله تعالى: (بِالْحَقِّ)، يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: يستمعون الصيحة بما أوعدهم الرسل من المواعيد؛ فيتحقق لهم ذلك في ذلك اليوم.
والثاني: يحتمل: (بِالْحَقِّ)، أي: تحقق ذلك اليوم؛ لأن الرسل - عليهم السلام - قد أخبروهم بذلك اليوم، وهم أنكروه.
أو بالحق الذي لبعضهم على بعض، أي: يستوفي بعض من بعض ما لهم من الحق في ذلك اليوم، وأمروا بأداء الحقوق في ذلك اليوم، واللَّه أعلم.