وغلظها؛ ليعلم أن من فعل هذا، لا يفعله لغير شيء؛ بل ليمتحن، ويأمر، وينهى، وليستأدي شكره، فمن خالف أمره ونهيه، وكفر نعمه، وانتهك محارمه، استوجب ما ذكر، واللَّه أعلم.
وليعلم أن من قدر على ما ذكرنا قادر على كل شيء، لا يعجزه شيء، يذكر سلطانه وقدرته وعظمته، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦).
قال أهل الأدب: هو البحر الملآن الحار؛ لأنه - جل وعلا - منذ أنشأه، أنشأه حارًّا ممتلئًا، عميقا، لم يتغير في وقت من الأوقات، ولا في حال من الأحوال، بل كان على حالة واحدة حارًّا، مالحًا ممتلئًا عميقا عريضا، ليس كسائر الأنهار التي ربما تتغير عن جهتها من قلة الماء وسكونه وغورها في الأرض وامتلائها من الطين، وحاجتها إلى الحفر، وغير ذلك من التغير الذي يكون بها، فأما البحر على حالة واحدة في الأحوال كلها، فأقسم به: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ)، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (٩) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (١٠).
بين الوقت الذي ينزل بهم العذاب الموعود حين قال: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ)، ودل أن وقت تعذيب هذه الأمة يوم القيامة، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ).
وفيه وصف ذلك اليوم بالأهوال والشدة؛ لأنه تعالى ذكر أن السماء تمور مورًا، أي: تستدير استدارة، وتتحرك تحركًا، وذكر سير الجبال وما ذكر، وهذه الأشياء من أشد الخلائق وأصلبها، فهول ذلك اليوم وشدته عمل فيها ما ذكر من التحرك والسير والتغير وغير ذلك.
وفيه أن هذا العالم كله أنشأه بحيث يفنيه وينشئ عالمًا آخر؛؛ لأنه ذكر فيه التغير من حال إلى حال؛ لأنه ذكر مرة سيرها وتحركها حيث قال: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ)، وذكر السماء وتحركها ومورها، وذكر للأرض انشقاقها، حيث قال: (وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ)، وقال في آية أخرى: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ)، وقال: (يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا)، وقال هاهنا: (وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا)، وكذلك قال في السماء والأرض اختلاف الأحوال، فقال: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)؛ فدل إثبات التغير في هذه الأشياء على هلاكها، كما دل أنواع الأمراض والتغير من حال إلى حال في أهلها على هلاكها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) أي: المكذبين لرسلهم،


الصفحة التالية
Icon