أنفسهم ولا آفة؛ لأن ذلك ينغص عليهم ذلك، ليس كما يؤكل في الدنيا، فيه خوف التبعة، وخوف حدوث المكروه والآفات في أنفسهم والضرر، فأخبر: ألا يكون لهم في الجنة ذلك؛ لئلا ينغص عليهم نعمها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠) ذكر أن لهم في الجنة جميع ما ترغب إليه أنفسهم في الدنيا، ويتمنون بها، كقوله تعالى: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ)، وقوله: (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا. وَكَأْسًا دِهَاقًا)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)، وأشباه ذلك مما يكثر عده مما تحدث به أنفسهم في الدنيا، ورغبهم فيه؛ ليرغبوا في طلبها وليتركوا ما في الدنيا من ذلك؛ ليصفوا لهم ذلك في الآخرة.
وهذه الأحوال التي ذكر وأخبر أنه تكون لهم في الآخرة من الاتكاء على السرر، والمقابلة في المجلس وغير ذلك من الأشياء التي ذكرها في الكتاب.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ).
كما يقال: تزوجت بفلانة وفلانة؛ فعلى ذلك هذا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (٢١).
قيل فيه بوجوه:
أحدها: ما قال أبو بكر الكيساني: أي: يلحق الأولاد بإيمانهم وأعمالهم درجات الآباء والأمهات، ولو قصرت أعمال الذرية عن أعمال الآباء والأمهات لأن الدرجات إنما تكون بالأعمال، فهم وإن لم يبلغوا في الأعمال مبلغ آباهم؛ فإنهم يلحقون بهم في الدرجات، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن الذرية التقنوا الإيمان من آبائهم وأمهاتهم، وأخذوه منهم، ولم يبحثوا عن حجته وبرهانه حتى يكون أخذهم وقبولهم عن البحث عن الحجة والبرهان، فهم وإن كانوا مقلدين آباءهم في الإيمان، متلقنين منهم فإنهم يلحقون بآبائهم وإن كان الإيمان عن الحجة أفضل من الإيمان بالتقليد والالتقان.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن الذرية وإن لم يبلغوا مبلغا يكون منهم الإيمان، فإنهم يلحقون بآبائهم وأمهاتهم في إيمانهم، وإن لم يكن منهم الإيمان ولم يأتوا به، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ).
على تأويل أبي بكر: أي: وما ألتنا من أعمال الذرية من شيء؛ أي: ما نقصنا أعمال آبائهم في الثواب وإن قصرت أعمالهم عن أعمالهم، بل يبلغون درجات آبائهم، ويوفرون