وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: قدر قوسين حقيقة.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: قاب: قدر قوسين عربيين.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: القاب: قدر الطول.
وقيل القوس: الذراع هاهنا؛ أي: كان قدر ما بينهما ذراعين.
قال: والأول أعجب إليَّ؛ لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " لقاب قوس أحدكم -أي: موضع قده- خير من الدنيا وما فيها " والقد: السوط.
فنقول: أيّ الوجوه كان ففيه دليل: أنه لم يكن جبريل - عليه السلام - يبعد من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بحيث لا يحيط به؛ لأن الشيء إذا بعد عن البصر لعرفه بالاجتهاد، ولا يدركه حقيقة، وكذلك إذا قرب منه، حتى ماسه والتصق به، قصر البصر عن إدراكه، وإذا كان بين البعد والقرب، أحاط به وأدركه، فيخبر اللَّه - تعالى - أنه أحاط به علمًا، وأدركه حقيقة، لا أن كان معرفته إياه بطريق الاجتهاد، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْ أَدْنَى).
قال أهل التأويل: حرف " أو " شك، وذلك غير محتمل من اللَّه تعالى، لكن معناه على الإيجاب؛ أي: بل أدنى.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (أَوْ أَدْنَى) في اجتهادكم ووهمكم، لو نظرتم إليهما، لقلتم: إنهما بالقرب والدنو قدر قوسين أو أدنى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠) هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: على التقديم والتأخير، أي: فأوحى جبريل ما أوحي إليه إلى مُحَمَّد عبده ورسوله، عليهما السلام.
والثاني: فأوحى اللَّه - جل وعلا - إلى عبده جبريل ما أوحى هو إلى مُحَمَّد عليهما الصلاة والسلام.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١).
قرئ: (كَذَبَ) مخفف الذال ومشدده؛ فمن قرأ بالتخفيف، أي: ما كذب عبده فيما رأى؛ أي: ما رأى حق.