تواتر، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله تعالى: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى): أي: ما يغشى من أمر الله تعالى، ويروون خبرا عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لما انتهيت إلى السدرة رأيت ورقها أمثال آذان الفيلة؛ ورأيت نبقها أمثال القلال، فلما غشيها من أمر اللَّه ما غشيها، تحولت ياقوتًا " إن ثبت هذا الخبر، ففيه دليل: أن السدرة: شجرة، إذ ذكر ورقها، وفيه أن الذي يغشاها أمر اللَّه تعالى.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما -: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى): الملائكة، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧).
قال أبو بكر: أي: ما قصر البصر عن الحد الذي أمر وجعل له، وما طغى وما جاوز عنه، أو كلام نحوه.
ويحتمل (مَا زَاغَ) أي: ما مال وما عدل يمينًا وشمالاً، (وَمَا طَغَى): وما جاوز.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ)، أي: ما مال، (وَمَا طَغَى) من الارتفاع؛ طغى الماء: إذا ارتفع، يطغى طغيانا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨).
جائز أن تكون آيات ربه التي ذكر أنه رأى: هو جبريل - عليه السلام - حيث رآه بصورته، وكذلك روي عن عمد اللَّه بن مسعود: أنه رآه بصورته مرتين، وتأول الآية، ويحتمل غيره من الآيات، ولكن لا نفسرها، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى.) الآية.
يخرج تأويل هذه الآية على وجوه، وإلا ليس في هذا الموضع لظاهر قوله - عز وجل -: (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) - جوابٌ، ولا لقوله: (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى).


الصفحة التالية
Icon