أو ما سموا واتخذوا الأصنام آلهة، وما ظنوا على اللَّه وادعوا أمره ورضاه في فعلهم، وغير ذلك مما كانوا يتمنون؛ يقول: ليس للإنسان ما تمنى أن يكون له؛ إنما يكون ذلك له بجعل اللَّه الذي له الدنيا والآخرة، وذلك قوله - تعالى -: (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (٢٥).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦).
يخرج هذا على وجهين:
أحدهما: أي: كم ملك له شفاعة لا تنفع شفاعته وإن يشفع إلا لمن ذكر. والثاني: أي: كم من ملك في السماوات لا شفاعة له، ولا يشفع إلا لمن يشاء الله ويرضى أن يشفع، وهو كقوله - تعالى -: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) و، أي: ليست لهم شفاعة تنفع.
وقال أبو بكر الأصم: إنما يشفعون في الآخرة لمن شفعوا في الدنيا واستغفروا لهم؛ كقوله تعالى: (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ)، وقوله - تعالى -: (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا...) الآية، وقولهم: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ)، وقد ذكرنا فيما تقدم الوجه في ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (٢٧) وإنما يسمي ذلك فُؤُم، وقد أضاف ذلك إلى الكل في الظاهر؛ لأن الذين يسمون الملائكة تسمية الأنثى، واللَّه أعلم.
ويجوز أن يذكر الكل، ويراد به البعض في اللغة، ومثله في القرآن كثير، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (٢٨) أي: ما لهم بما يسمون الملائكة تسمية الأنثى من علم؛ لأن العلم بمعرفة الأنثى من الذكر بطريقين:
أحدهما: المشاهدة، يشاهد ويعاين فيعرف الأنثى من الذكر، وهم لم يشاهدوا الملائكة، فكيف يعرفون ذلك؟
والثاني: خبر الرسول المؤيد بالمعجزة، وهَؤُلَاءِ قوم لا يؤمنون بالرسل.
ولا يعرف بالاستدلال وطرق العلم الثلاثة التي ذكرنا، فإذا كان حصل قولهم بلا علم، ولكن على الظن، وذلك قوله تعالى: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ)، أي: ما يتبعون في قولهم الذي قالوا إلا الظن، ووجه ظنهم ما ذكرنا.
ثم أخبر أن ظنهم لا يغنيهم من الحق شيئًا، فهو يخرج على وجهين:
أحدهما: أن الظن الذي ظنوا لا يدفع عنهم ما عليهم من اتباع الحق ولزومه.