وقيل لكل من طلب شيئًا فلم يبلغ، أو أعطى فلم يتمم: أكدى.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: أكدى: بخل، ورجل مكدٍ: بخيل.
وقوله: (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (٣٥) فهو - واللَّه أعلم -: أعنده علم الغيب؛ فيأمر بتكذيب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ويأذن له بالتولي عنه، وإعطاء المال على التكذيب له؛ أي: ليس عنده علم الغيب؛ لأنهم قوم لا يؤمنون بالرسل والكتب، وأسباب العلم هذا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) كأن هذا مقطوع من الأول؛ كان أُولَئِكَ الكفرة يقولون لأتباعهم: إنا نتحمل عنكم الظلم والوزر؛ فلا تأتوا محمدًا ولا تصدقوه؛ كقوله - تعالى - حكاية عنهم: (اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ)، فقال عند ذلك: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)، أي: قد بينا في صحفهما: ألا تزر وازرة وزر أخرى.
ولحيل: إنما سمي: وفيًّا؛ لأنه بلغ ما أمر بتبليغه.
وقيل: لأنه كان يصلي أربع ركعات عند الضحى، وعلى ذلك يروون خبرا عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " أتدرون ما وفَّى؟ " قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: " وَفَّى أربع ركعات عند الضحى ".
فإن ثبت هذا اكتفي عن أي تأويل آخر، وأصله: أنه سماه: وفيًّا؛ لما قام بوفاء ما أمر به.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) فيه أن هذا في الكتب كلها: في صحف إبراهيم، وموسى، وغيرهما من الكتب: ألا يحمل أحد وزر آخر، إنما يحمل وزر نفسه.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - أنه قال: لا يؤخذ الرجل بذنب غيره.
وعن عمرو بن أوس قال: كان الرجل يؤخذ في الجاهلية بذنب غيره حتى نزلت الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩).
يشبه أن يكون قوله: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) أي: ليس على الإنسان إلا ما


الصفحة التالية
Icon