وقوله: (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) أي: حمل نوحًا - عليه السلام - وأتباعه في السفينة ونجاهم من الغرق جزاء ما كفر به قومه؛ كذا قال عامة أهل التأويل: إنه أخبر لنوح - عليه السلام - حين كفر به قومه فلم يؤمن به قومه.
وقال مجاهد: جزاء لمن كان كفر باللَّه - تعالى - أي: الغرق جزاؤهم؛ لما كفروا باللَّه تعالى.
وقال أبو معاذ: وقرئ: (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كَفَرَ) بنصب الكاف، وتأويل هذه القراءة: أي: إهلاك من أهلك من قومه؛ جزاء لما كفروا باللَّه - تعالى - أو بنوح، - عليه السلام -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً... (١٥) يحتمل وجهين:
أحدهما: تركنا سفينة نوح - عليه السلام - بعينها مدة طويلة حتى صارت آية لأواخرهم ولمن بعدهم؛ وبه يقول قتادة؛ قال: أبقى اللَّه - تعالى - سفينة نوح - عليه السلام - بينة للمسافرين من أرض الجزيرة حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة، وكم من سفينة كانت بعدها، فصارت رمادًا.
والثاني: تركنا آية آثار تلك السفينة وأنباءها آية لمن بعدهم؛ لأن أنباءها قد بقيت في المتأخرين حتى عرفوا أن من نجا لِمَ نجا؟ ومن هلك لم هلك؟ واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) عن الأسود قال: قلت لعبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أو (مُذَّكِر)؟ فقال: أقرأني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - (مُدَّكِرٍ) بالدال.
قال أبو عبيد: وأصله في العربية: " مدتكر "، فإنه من باب الافتعال على وزن مفتعل، فثَقُل لاجتماع التاء والدال، فأدغم الحرف الأول -وهو الدال- في التاء؛ فانقلب دالا، وهو كقوله: " ادخر "، أصله: " ادتخر "، من " الدخر " لما قلنا، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُدَّكِرٍ) أي: هل من متذكر متعظ، يتعظ بما نزل بأُولَئِكَ فينزجر عن مثل صنيعهم.
وقال قتادة: فهل من طالب خير؛ فيعان عليه.