ويحتمل: علم كل إنسان ما غاب عنهم حتى عرفوا بما شاهدوا -باللون والطعم واللذة- طعم ما غاب عنهم من جنسه ولونه ولذته؛ استدلالا بما شاهدوا.
ويحتمل: الاستدلال بالشاهد على معرفة اللَّه تعالى، وهو أنهم لما شاهدوا الإنسان محتاجا، عاجزا، محاطا بالحوائج والحوادث عرفوا أن له خالقا عالما قادرا أنشأه كذلك.
ويحتمل: ما ذكر من تعليم البيان بيان القرآن، وذلك راجع إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: أنه علمه القرآن، وعلمه البيان، وهو بيان القرآن؛ حتى يبين للناس كل ما يحتاجون إليه، وما لهم وما عليهم.
وجائز أن يصرف بعضه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وهو قوله: (الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ)، وبعضه إلى آدم - عليه السلام - وهو قوله: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)، وتفسيره ما ذكرناه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ) آدم، و (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) بيان الدنيا والآخرة.
وجائز أن يكون خلق الإنسان كل إنسان علم القرآن، وعلمه البيان أي: علم شيئا من بيان القرآن من الأحكام والشرائع، ونحو ذلك.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) أي: الكلام، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥) قال أهل التأويل بوجهين:
أحدهما: أي: يحسب بهما عدد الأوقات والأزمنة، ويعرف بهما حساب ذلك.
والثاني: يحسب بهما حساب منازلهما التي يطلعان منها ويغيبان فيها، ومجاريهما التي يجريان فيها لا يجاوزانها في شتاء ولا صيف.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: قوله: (بِحُسْبَانٍ) جمع الحساب.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (بِحُسْبَانٍ) بحساب ومنازل لا يعدوانها.
وفيه زيادة معنى: أن اللَّه تعالى جعلهما بحيث يعرف بهما حقيقة أعين الأشياء؛ لما جعل فيهما من النور والضياء الذي بهما تتجلى للخلق الأشياء المستورة، فيقال لمنكري الرسالة وتفضيل بعض البشر على بعض: لما شاهدتم أشياء خصت بفضل ضياء وتجلٍّ لم يكن ذلك لغيرها، فلم أنكرتم فضل بعض البشر بفضل بيان وعلم رسالة؟ واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦) النجم يحتمل وجهين:
أحدهما: الكواكب، فإن كان هو المراد، فكأنه يقول: يسجد له ما به زينة السماء وما


الصفحة التالية
Icon