شكر ما أنعم عليهم.
ثم معرفة الشاكر منهم والكافر لا يعرف إلا بمعرف يعرفهم؛ لأن مقدار الشكر وكيفيته لا يعرف بمجرد العقل؛ فيضطرهم إلى رسول يخبرهم عن اللَّه تعالى ذلك؛ فيكون فيه إثبات الرسالة.
ثم في إخراج هذه الحبوب والفواكه كلها في وقت واحد من المشرق والمغرب على سنن واحد في زمان واحد من غير تفاوت - دليل أن علمه وتدبيره أزليان ذاتيان؛ إذ لم يمنعه شيء عن شيء.
ثم اتساق ذلك واتصال ما ذكر من منابع الأرض بمنافع السماء من غير مدخل من أحد - دليل على وحدانيته؛ إذ لو كان ذلك فعل عدد ما جرى ذلك على سنن واحد؛ على ما هو التدافع والتمانع في الأمر القائم بين اثنين عند الاختلاف، واللَّه الموفق.
* * *
قوله تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَئَاتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٥).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) ذكر في خلق الإنسان أحوالا مختلفة: مرة قال: (خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ)، والتراب: هو الذي لم يصبه الماء، ومرة قال: خلقه من طين والطين: هو الذي أصابه الماء، واعتجن، ومرة قال: (مِنْ طِينٍ لَازِبٍ)، واللازب: هو الذي يلتصق باليد ويلزقه، وهو الحر الخالص، وقال مرة: (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)، وهو الذي اسود وتغير؛ لطول المكث، ومرة قال: (مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ)، والصلصال: هو الذي له صوت إذا حرك، وهو من صلصلة الحديد.
ويحتمل صلصال: أي: منتن، يقال: صلَّ البئر؛ إذا أنتن، والفخار: هو الذي تكسر إذا يبس.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: الفخار: الذي طبخ.
فجائز أن تكون هذه الأحوال التي ذكرت على اختلافها في ذلك الإنسان، كان في الابتداء ترابا، ثم صار لازبا؛ لأنه كان من جيد الطين وحره، ثم صار مسنونا منتنا: أسود؛ لطول المكث، وصلصالًا لكثرة تربيته ولجودته، يكون له صوت.
وتشبيهه بالفخار يحتمل وجوهًا: