وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) أصحاب اليمين هم المؤمنون على ما ذكرنا.
ثم اختلف في ذكر شجر السدر لهم، وما ذكر من الطلح، وغير ذلك.
فمنهم من قال: إنما ذكر هذا لهم لتفضيل المقربين على أصحاب اليمين؛ لأنه قال في المقربين: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ...)، إلى آخر ما ذكر من عظيم الكرامات التي ذكر لهم، ثم ذكر لأصحاب اليمين دون ذلك؛ ليعلم تفضيل المقربين على أصحاب اليمين.
ومنهم من قال: إن قوما من العرب ينتفعون بذلك؛ لأن لها ثمرة، لكن ليست بمرغوبة، ولها شوك، فأخبر اللَّه تعالى أن لهم في الجنة ذلك بلا شوك ولا أذى؛ بل رغب فيه، وهو كما وعد لهم من الخمور، ثم نفى عن خمورها الآفات؛ فعلى ذلك جائز أن يكون شجر السدر فيها بغير آفات، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ)، منهم من قال: هو طلع منضود متراكم؛ كما ذكر في آية أخرى (طَلْعٌ نَضِيدٌ)، ذكر في إحدى الآيتين فعيل، وفي الأخرى مفعول، وذلك جائز في اللغة.
وقيل: طلح: بالحاء: هو الموز.
وذكر أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمع قارئا يقرأ: (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ)، فقال علي - رضي اللَّه عنه -: ما شأن الطلح؟ إنما هو طلع؛ فقيل له: إن في المصحف (وَطَلْحٍ) أفلا نغيره؟
فقال: إن المصحف لا يغير اليوم؛ وهذا يؤيد التأويل.
وقال أبو معاذ: الطلح في كلام العرب: شجر عظام، كثير الأغصان، واحدها: طلحة، وقال مخضود: أي: مقطوع الشوك؛ خلقت هنالك هكذا بلا شوك، ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - في شجر الحرم: " لا يخضد شوكها، ولا يعضد شجرها ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) يصف أنه ليس فيها شمس يؤذي حرها، ولا برد يؤذي، بل ظل؛ لأن الظل شيء لطيف لا أذى فيه، ولا شيء يثقل على الأبدان؛ بل هو


الصفحة التالية
Icon