يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ)، أي: على الإثم العظيم، وهو الشرك.
وقيل: الحنث العظيم: الكبائر، والإصرار: هو الإدامة عليها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يصرون على أنهم يقسمون ويحنثون فيه؛ كقوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ)، أقسموا: أنهم لا يبعثون، فحنثوا في ذلك؛ لأنه تعالى أخبر أنهم يبعثون؛ حيث قال: (بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا).
ويحتمل أن يكون قسمهم ما ذكر: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا)، وقوله: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ)، وقد جاءهم النذير، فلم يكونوا أهدى، وجاءتهم الآيات، فلم يؤمنوا بها، فحنثوا فيها، فإن كان قسمهم بأنهم لا يبعثون حنثوا حين فراغهم من اليمين؛ لأنهم أيسوا عن ذلك.
وفيه دلالة لصحة مذهب أصحاينا: أن من حلف: للمس السماء، أنه يحنث عند فراغه من اليمين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قالوا هذا على الاستهزاء والاستبعاد للبعث؛ ألا ترى أنه أجابهم، فقال: (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠).
ثم قوله: (إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ) يخرج على وجهين:
أحدهما: أي: يجمع الأولين والآخرين في التخليق؛ أي: جمع بين الأولين والآخرين في التخليق؛ حيث خلق الآخرين على إثر الأولين، وإلا لم يكونوا وقتما قال: (لَمَجْمُوعُونَ)؛ إذ الآخرون لم يكونوا مخلوقين بعد.
والثاني: مجموعون في الأرض، أي: في القبور (إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) بآيات اللَّه الدالة على توحيده، ورسله، والبعث.
وقوله: (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) أخبر أن المكذبين يكونون آكلين من شجر الزقوم؛ فيكون كما أخبر.
ثم شجرة الزقوم: هي التي ذكر (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ)، وقد ذكرنا تأويله في موضعه.
وقوله: (فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) يخبر أن ليس لهم مما يأكلون ويشربون إلا امتلاء