ما أمنيتم، ولا أنفسكم، ولا تملكون ذلك، فقد عرفتم أن اللَّه هو خالقكم وخالق ذلك كله، وهو المالك لذلك؛ فإذا عرفتم ذلك، وأنتم أهل تمييز، وأكمل عقلا من غيركم، فإذا لم تملكوا خلق أنفسكم، فالذين هم دونكم أحق ألا يملكوا خلق أنفسكم وخلق ما ذكر ثبت أن اللَّه تعالى هو خالق ذلك كله؛ فكيف عبدتم غيره، وصرفتم الألوهية إلى غيره.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ... (٦٠) يحتمل وجوها:
أحدها: أنه لما كان هو الذي خلقكم وما ذكر، ثم قدر بينكم الموت، وفيكم الولي له والعدو، وقد سوى في الدنيا بين الولي والعدو، وفي الحكمة التفريق بينهما؛ دل أن هنالك دارا أخرى يفرق بينهما.
والثاني: (قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ)، أي: المعجل والمؤجل؛ أي: لم يجعل موت جميعكم في وقت واحد، بل جعل أجلا مؤجلا في الأصل، وقدر أن تكون مدة أجل هذا أكثر من مدة أجل الآخر.
وقيل: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) أي: سوينا بينكم في الموت بين عزيزكم وذليلكم، ورفيعكم ووضيعكم، لا يسلم أحد عنه.
ويحتمل وجها آخر هو -أولى-: وهو أنه قدر بينكم الموت، وكل واحد منكم يكره الموت، ثم لم تملكوا دفع الموت عن أنفسكم؛ دل أن هاهنا قاهرا قادرا يجب القول بوجوده، والانقياد لأوامره ونواهيه.
وقوله: (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) أي: وما نحن بمغلوبين في تبديل أمثالكم.
أو يقول: وما نحن بعاجزين على أن نبدل أمثالكم.
وقوله: (وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦١) قال أبو بكر الأصم: فيما لا تعلمون من تبديلكم إلى صورة ذميمة قبيحة؛ كصورة القردة والخنازير، ونحوها.
وقيل: (وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ) في أي خلق شاء؛ وهو أقرب من الأول.
وجائز أن يكون معناه (وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ) في ظلمات ثلاث الذي لا يبلغه علم البشر، ولا تدبير الحكماء إلى أن بلغوا ما بلغوا، فمن ملك ذلك لا يحتمل أن يعجز عن بعث أو غيره، واللَّه أعلم.