وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)، قال أهل التأويل: أي: أجر حسن، والله أعلم.
وجائز تسميته: كريما؛ لما أن من ناله يصير كريما، أو لما يؤمل ويرجى أن يكون لهم ذلك، والكريم في الشاهد: هو الذي يرجى منه كل خير ويؤمل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) جائز أن يكون قوله: (يَسْعَى نُورُهُمْ) أي: كتبهم التي يعطون في الآخرة، فإنه يعطى كتاب المقربين والسابقين من أمامهم وقدامهم، وكتاب سائر المؤمنين من أيمانهم، وكتاب أهل الشرك من وراء ظهورهم، يؤيده حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: (نورهم يسعى بين أيديهم وفي أيمانهم) كقوله: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ...) الآية.
وجائز أن يكون نور إيمانهم ودينهم الذي كانوا عليه في الدنيا.
وجائز أن يكون نورهم الذي ذكر كناية عن الطريق الذي يسلك فيه السابقون، يرون ما أمامهم، وسائر المؤمنين عن أيمانهم وما سلكوا في الدنيا، وأهل الشرك بشمالهم، وأهل النفاق من ورائهم.
وجائز أن يكون قوله: (وَبِأَيْمَانِهِمْ) كناية عن اليمن والبركة؛ إذ إنما بالأيمان ينال اليمن والبركات فسماها بذلك.
ويحتمل ما ذكر أهل التأويل: أنه يرفع لهم نور، فيمشون بذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) إنما يقال ذلك قبل دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار؛ وهذا يدل أن النور المذكور لهم يكون قبل دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.
وقوله: (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)؛ لأنه لا هلاك بعده ولا تبعة، ولا انقطاع لذلك.
ثم قوله: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) ليس أن يراه هو خاصة لا يرى غيره ذلك؛ بل يرى ذلك جميع المؤمنين؛ فيبطل به قول من جعل التنصيص على الشيء دالا على التخصيص ونفي غيره.
وعن قتادة: أنه قال: ذكر لنا أن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " إن من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن، وإلى صنعاء، فدون ذلك، حتى من المؤمنين مؤمن لا يضيء نوره إلى موضع قدميه، وللمؤمنين منازل لأعمالهم ".