كل شيء يشهد على وحدانيته وألوهيته، والإيمان برسله: هو أن يصدقهم فيما أخبروا عن اللَّه تعالى، وكل صاحب كبيرة مصدق بالذي ذكرنا، فهو مؤمن؛ وذلك على المعتزلة؛ لقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ)؛ دلت الآية على أن ما يعطي من الثواب لعبيده فضل منه وإن سماه: جزاء، وأجرا؛ لأنه قد سبق منه إليهم من الإحسان والنعم ما يصير تلك الأفعال -وإن كثرت- شكرا لأدنى نعمه، وإن طال عمره، فأنى يستوجب الشكر والثواب على تلك الأعمال ثوابا وجزاء، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) أي: ذكرها في كتاب، كان ذلك الكتاب قبل أن نبرأ المصائب، أي: نخلقها؛ إذ لا يحتمل كون أنفس تلك المصائب في الكتاب قبل خلقها؛ فدل على كون ذكر المصائب فيه، وهو كقوله: (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)، وليست الشجرة في القرآن، ولكن ذكرها فيه من ذلك ما روي في الخبر أنه " نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو "، أي: نهى أن يسافر بالذي كتب فيه القرآن، وإلا لم يكن عين القرآن في ذلك المصحف؛ فعلى ذلك ما ذكر من المصائب، وذلك يخرج على المجاز دون الحقيقة، واللَّه أعلم.
ثم اختلف في قوله: (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا):
منهم من قال: من قبل أن نخلق تلك المصائب.
ومنهم من قال: من قبل أن نبرأ تلك الأنفس والأرض؛ والأول أصح.
وقوله: (إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) يخرج على وجهين:
أي: كثرة ما يصيب الخلق في أنفسهم وأموالهم يسير على اللَّه، غير شديد عليه، ليس كملوك الأرض؛ لأن ما يصيب حشمهم وخدمهم من المصائب يشتد عليهم؛ لما أن قوامهم بحشمهم وخدمهم، ولهم منافع فيهم، واللَّه يتعالى بذاته، ليس له في بقاء الخلق منفعة، ولا في ذهابهم وفنائهم ضرر، فذلك يكون عليه يسير.
والثاني: أن كتابه لم يكن بعد ولم يخلق، وعلمه قبل كونه على اللَّه يسير هين، يخبر أنه عالم في الأزل بكون الأشياء في أوقاتها، لا يصعب عليه، ولا يشتد العلم بها قبل