فقال - عليه السلام -: " ما أراك إلا وقد حرمت عليه "، قالت: يا رسول اللَّه، لا تقل ذاك؛ ما ذكر طلاقا، ولم يرد عليها اعتقادها في أن الظهار طلاق، وكذلك ما روي في رواية أخرى في حديث طويل: جعلني عليه كظهر أمه، ثم تركني إلى غير شيء، فهل من شيء يجمعني وإياه يا رسول اللَّه؟ فقال - عليه السلام -: " أطلقك؟ " قالت: لا، قال: " ما أمرت في شأنك من شيء "، ولو كان الظهار طلاقا بعد الإسلام قبل نزول هذه الآية لما قال: " أطلقك؟ " بعدما قالت: " جعلني عليه كظهر أمه "، ولما قال: " ما أمرت في شأنك من شيء "، وحكم شريعته أنه طلاق مزيل للملك، دل هذا يقرر ما قلنا إنه ذكر في حديث خولة وأوس أنه أول من ظاهر في الإسلام فكيف يكون طلاقا؟!
فَإِنْ قِيلَ: أليس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " ما أراك إلا وقد حرمت عليه "، والحرمة التي لا ترفع النكاح بالظهار إنما ثبتت بعد نزول الآية، والآية نزلت بعد صدور القول من أوس بن الصامت؛ فدل أن مراده تحريم الطلاق، فهذا يدل على أن هذا الحكم كان ثابتا في شريعته قبل نزول آية الظهار بوحي غير متلو وإن كان قبل ذلك في حكم الجاهلية، فكذلك ذلك الزوج قال للمرأة - أيضا -: " ما أراك إلا وقد حرمت عليَّ "؛ دل هذا على أنه كان طلاقا قبل نزول الآية.
قلنا: هذا حجة عليكم؛ فإنه لو كان المراد بقوله - عليه السلام -: " ما أراك إلا وقد حرمت عليه " إثباتا للحرمة فيها بالظهار؛ لكونه طلاقا، فكيف يحكم عليها بالحرمة بالظهار بعد حكمه بالطلاق بذلك القول بعينه في شخص بعينه، وقد صح في الحديث أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - دعا أوسا وامرأته بالكفارة، وأبقى النكاح بينهما لو كان ذلك طلاقا؟! والمثبت حكمه إنما ينسخ بالآية الثانية إلى حكم آخر، فظهر ذلك في المستقبل لا في الماضي؛ فدل أن هذا حجة عليه، ولكن إنما قال: " ما أراك إلا وقد حرمت عليه؛ " للوجهين اللذين ذكرناهما، واللَّه أعلم.
فَإِنْ قِيلَ: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يحكم بالطلاق في حقها، مع أن الظهار كان طلاقا بطريق القطع، بل قال: " ما أراك إلا وقد حرمت عليه " على طريق الظن؛ لأنه جائز أن يكون الله تعالى قد أعلمه أنه سينسخ حكم هذا القول وينقله من الطلاق إلى تحريم المتعة، فلم يقطع القول فيه حتى نزلت الآية.


الصفحة التالية
Icon