وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٣).
قال عامة أهل التأويل: أي: أبخلتم يا أهل الميسرة أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات؟
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ).
أي: تجاوز عنكم إذ لم تفعلوا.
(فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ).
أي: إذا لم تصدقوا تلك الصدقة فآتوا زكاة أموالكم.
قال أهل التأويل: نسخ ما أمروا به من الصدقة عند المناجاة بما ذكر: من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
هذا وعيد، ثم في قوله: (إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ) دلالة قبول خبر الواحد؛ لأنه يناجيه ولا يعلم به غيره؛ دل أنه يقبل إذا أخبر به غيره.
وفيه أن لا كل مناجاة تكون من الشيطان؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ناجى من ذكر؛ فدل أن قوله: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ) مصروف إلى ما سبق ذكره.
وفيه ألا يفهم من ذكر اليد الجارحة لا محالة؛ فإنه قال: (بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ)، وليس للنجوى يد ولا بين، وكذلك قوله: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)، ولم يشكل على أحد أنه لم يرد باليد الجارحة هاهنا؛ فكيف فهم فيما أضيف إلى اللَّه - تعالى - في قوله: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)، وقول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الصدقة تقع في يد الرحمن ": الجارحة، لولا فساد اعتقادهم في اللَّه - تعالى - وتشبيههم إياه بالخلق.
وقال قتادة: أكثروا النجوى مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فمنعهم اللَّه تعالى عنه، فقال: (إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً...) الآية.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: أنا أول من عمل بها، تصدقت بكذا، ثم نزلت الرخصة.


الصفحة التالية
Icon