أحدهما: أنه لم يرجع عن الإيمان والتصديق لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وأنه لا يعود إلى مثله بعد ذلك أبدًا.
والثاني: أنه لم يقصد بصنيعه مودتهم؛ ولكن قصد إلقاء المودة إليهم؛ ليقع عندهم أنه وادهم، وهو في الحقيقة يلقي المودة، وقد يكون ذلك كقوله - تعالى -: (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)، واللَّه أعلم.
وإن كانت الآية في غير حاطب فهي للمؤمنين الذين حققوا الإيمان باللَّه - تعالى - وثبتوا عليه؛ لأن أهل الإيمان كانوا أصنافًا ثلاثة: صنف محققون، وصنف يظهرون القتال مع أعدائهم، وصنف منهم لا يقدرون على إظهار ذلك والمناصبة معهم، ولكن يتبعون الأقوياء منهم فأهل الصنف الثالث مترددون يوادون الكفرة في السر، ويظهرون الموافقة للمؤمنين؛ فجائز أن يكون قوله - تعالى -: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... )، أي الذين يحققون الإيمان باللَّه - تعالى - واليوم الآخر لا (يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ)؛ ولكن إنما يوادهم من لم يحقق الإيمان؛ فيكون فيه إخبار عن إثبات الإيمان في قلوبهم كقوله - تعالى -: (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ)، أي: أثبت في قلوبهم الإيمان؛ فلا يرجعون عنه، وفيه أن الإيمان موضعه القلب.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (ما كان لقوم يؤمنون باللَّه واليوم الآخر أن يوادوا من حاد الله) وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ).
قيل: أيدهم بنور الإيمان الذي أثبت في قلوبهم، وأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه أثبت المؤمنين على الإيمان (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ)، وقال: (كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ).
وقيل: (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)، أي: برحمة منه.
ثم وصف ما أعد اللَّه تعالى لهم في الآحرة فقال: (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ).
أي: جند اللَّه، على ما ذكرنا: أنهم يأتمرون بأمره، ويقاتلون أعداءه، ويوالون أولياءه؛ فهم جند اللَّه تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
قيل: هم الناجون، وقيل: الباقون في نعم اللَّه - تعالى - واللَّه أعلم بالصواب.


الصفحة التالية
Icon