يدلكم ويعرفكم أن اتفاقكم على النصرة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لا يغنيكم، كما لم يغن هَؤُلَاءِ الذين خرجوا إلى مكة واتفقوا مع المشركين، ثم لم يغنهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا... (٣).
يعني: لولا أن كتب اللَّه عليهم الجلاء في اللوح المحفوظ، لعذبهم في الدنيا بالقتل.
وقوله: (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ).
قال هذا في قوم علم أنهم يموتون على الكفر، وما روي أن أحدًا منهم مات على الإسلام؛ فيكون فيه دلالة أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يخبر ذلك بالوحي والتنزيل، لا من تلقاء نفسه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٤).
يحتمل أوجهًا ثلاثة:
أحدها: أن يقول: (ذَلِكَ)، يعني: ذلك العذاب في الآخرة بسبب أنهم شاقوا الله ورسوله، ثم المشاقة والمعاداة والمحادة والمضادة بمنزلة واحدة، وذلك كله: بمعنى المعاداة.
وقوله: (وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
يحتمل أن يكون على التقديم والتأخير؛ ووجهه أن يقول: إن اللَّه شديد العقاب لمن يشاقق اللَّه ورسوله، أو يكون فيه إضمار كأنه يقول: إن عقوبته لمن يشاق اللَّه ورسوله شديدة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (٥).
وما ذكر أن اليهود نادوا المسلمين: إنكم تزعمون أن اللَّه لا يحب الفساد، وأنتم تفسدون بقطع النخيل لا يحتمل هذا؛ قال اللَّه - تعالى - قبل: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)، فإذا كانت أنفسهم تسخو بتخريب البيوت؛ فما بالها لا تسخو بقطع الأشجار؟! ومعلوم أنه لا يؤمل في البيوت منفعة بعد تخريبها، وقد يؤمل في النخيل منافع بعد قطعها، ولكن إن كان يصح ذلك الخبر فتأويله عندنا أنه يجوز أن يكون المسلمون خوفوهم بالقتل؛ فقالوا على أثر ذلك: إنكم إذا قتلتمونا صارت هذه النخيل لكم؛ فكيف تفسدون أملاككم؟!