بما قال المنافقون، ثبت أنه ما علمه إلا من الوحي والتنزيل، وذلك علم نبوته عليهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ).
يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه يجوز أن يكونوا قالوا لهم هذا على أن يتكثر أتباعهم في القتال.
والثاني: أنهم قالوا ذلك لأهل الكتاب على حسبان منهم أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا علم بحال هَؤُلَاءِ، لم يخرجهم من المدينة؛ خوفًا أن يقال: أخرج أصحابه، وإذن لم يخرج أهل الكتاب ولم يقاتلوا.
وقوله: (وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا).
يعني: لا ننظر أحدًا فيكم أبدًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) يحتمل أن يكونوا وعدوا نصرهم هذا في قرى محصنة، ثم أخبر أنهم: وإن نصروهم ثم انهزموا، هربوا ونفروا وتولوا ولم ينصروهم بعد ذلك أبدًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).
لقائل أن يقول: كيف يشهد عليهم بالكذب، والكذب إنما يدخل في الأخبار، وقولهم الذي قالوا إنما هو وعد منهم؛ فحقه أن يقال: إنهم لمخلفو الوعد؟ وبمثل هذه الحجة احتج الخوارج في تكفير من أذنب ذنبًا، وذلك أنهم يقولون: إن من آمن باللَّه - تعالى - فقد اعتقد ألا يعصيه، فإذا عصاه تبين بعصيانه أنه كذب في اعتقاده؛ فكفر لهذا المعنى.
ومن جوابنا عن هذا: أن قول المنافقين لأهل الكتاب إخبار منهم عن موالاتهم إياهم، فأخبر اللَّه - تعالى - أنهم كاذبون فيما أخبروا عن الموالاة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (١٢).
في هذه الآية حجة رسالته على الفريقين جميعًا وذلك أن هذا خبر عن الغائب، وذلك لا يوصل إلى علمه إلا بالتعليم، ولم يكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - اختلف إلى أحد غيره، ولا تلقن شيئًا من أحد من البشر، فإذا أخبر عما يحدث وعما هو غائب، ثبت أنه ما قاله إلا عن الرسالة والوحي، واللَّه أعلم.
قال: ويجوز أن يكون اللَّه - تعالى - ذكر المؤمنين بهذه الآيات على ما لقي الرسول - عليه السلام - ممن كان الواجب عليهم -على ما عليه كانت عادتهم-: الإحسان إليه؛