الظفر والعاقبة؟ كما أخبر عنهم في آية أخرى، وهو قوله - تعالى -: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ): فأخبر اللَّه - تعالى -: أنهم يتربصون العاقبة، فالتجاؤهم إلى قرى محصنة يجوز أن يكون بهذا التأويل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ).
يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يقول: (بَأْسُهُمْ)، يعني: قوتهم (بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ)، ما لم يروا أعداء ظاهرة.
أو يقول: بأسهم شديد ما دام القتال بينهم؛ لأنه ليس فيهم من أكرم بالرعب مسيرة شهرين، فإذا أكرم بالرعب هذا المقدار من المسير، فلا يحرم ذلك في أهل قريته، وإذا كان كذلك ثبت أن التأويل ما وصفنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى).
لأن همة المنافقين سلامة الأنفس وراحة الأبدان، وهمة أهل الكتاب الذب عن المذهب والسعي في إقامته، فإذا اختلف همتهم ومقاصدهم تشتت قلوبهم، وذلك معنى قوله: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ)، يعني: في الهمم والقلوب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ).
يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم لا يعقلون حق الوعد والوعيد.
والثاني: أنهم لا ينتفعون بما يعقلون.
والثالث: أنهم لا يعقلون لمن يكون له العاقبة، وقد وصفنا أن عادتهم التربص لمن يكون الظفر والعاقبة، فإذا اشتبهت عليهم العاقبة ولم يعقلوها لم يوالوا واحدًا من الفريقين في الظاهر والباطن جميعًا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٥). يجوز أن يكون في هذا إضمار مثل آخر؛ كأنه يقول: مثل هَؤُلَاءِ الكفار كمثل الذين كانوا من قبلهم، وكذلك في قوله: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً)، يعني: مثل مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ومثل هَؤُلَاءِ الكفار، على إضمار مثل آخر، ثم التمثيل وكيفيته يحتمل أوجهًا ثلاثة:
أحدها: أن يقول: مثل هَؤُلَاءِ الكفار الذين أساءوا لرسوله كمثل الكفار الذين أساءوا


الصفحة التالية
Icon