اللَّه أن يكون ذلك على ما قالت الكفرة، وسمى نفسه: جبارًا؛ لما أنه يجبر الأشياء فيجعلها على ما يشاء، وهو كقوله: (الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ).
على ما يريد هو الأشياء، لا على ما يريده غيره.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: إن اللَّه - تعالى - يتعالى بمعان أربعة:
أحدها: تعاليه عن الظلم والجور وجميع ما لا يليق.
والثاني: تعاليه على الأشياء كلها بقهره لها وتصريفه إياها على ما يشاء، أي: ليس أحد يقهره، بل هو يقهر الخلائق.
والثالث: تعاليه عن أن تمسه الحاجة والآفة وكل من هو دونه لا يخلو عن ذلك.
والرابع: تعاليه عما قال الظالمون فيه من الولد والأضداد والأشكال والأنداد، وتعاليه عن جميع الآفات التي تصيب الخلق، واللَّه المستعان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤).
فالخالق والبارئ واحد، ويقال: برأ، أي: خلق، والبرية هي الخلق، ويقال: سميت البرية: برية؛ لأنه خلق من التراب إذ البري من التراب.
وقوله: (الْمُصَوِّرُ)، والمصور هو الذي يعطي كل شيء صورته، فيصوره على ما هو، فالتصوير هو بيان الحدود، وهو قول الناس: صورت الأمر عند فلان؛ أي: حددته.
وقوله: (لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى).
أي: الأمثال العلا، وهي الصفات؛ إذ الصفة ترجع إلى وجهين: إلى الصفة مرة، وإلى التشبيه مرة أخرى، فإذا رجع إلى الصفة فإنه يرجع إلى حقيقة ذلك، وإن رجع إلى التشبيه فإنه لا يرجع إلى حقيقة ذلك.
ثم قوله: (لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)، أي: الصفات العلا، أي: لا يسمى بذلك إلا هو؛ إذ لا يقال لغيره: الرب، ولا الرحمن، ولا المالك إلا أن يضاف ذلك إلى شيء، فأما على الإطلاق فلا يطلق ذلك إلا له جل وعلا.
ويحتمل وجهًا آخر: أي: لا شبيه له في أسمائه وألا يشركه أحد في تلك الأسماء؛ بل هي له خاصة، واللَّه المستعان.
* * *