وقوله: (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) يحتمل معنيين:
أحدهما: أي: لمن كان يرجو ثواب اللَّه تعالى.
والثاني: أن يؤمن بالبعث؛ وذلك أن اللَّه - تعالى - وصف أمر البعث في كتابه بصفات مختلفة: مرة أضافه إلى نفسه بقوله: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ)، وكان المعنى منه البعث. ومرة وصفه بصفة أخرى.
وإن كان المراد: الثواب؛ ففيه إخبار أن الراجي في الحقيقة هو الطالب لما يرجوه بالأسباب التي يرجو الوصول بها إلى ما دعا ورجا، والخائف في الحقيقة هو الحاذر عما حذر، والمنتهي عما نهي عنه وحظر. فإن من اعتمد على مجرد الرجاء والخوف دون التمسك بسببهما، فهو متمن على اللَّه تعالى.
والدليل على تأييد ما نقول: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ)، ألا تراه كيف حقق معنى الرجاء بالمجاهدة في سبيل اللَّه والعمل بطاعته، واللَّه أعلم.
وإن كان على البعث فكذلك أيضًا؛ لأنه أضرب عما نهي عنه، وطلب لما أمر به؛ فقد تبين أنه يوالي من تفضي موالاته إلى ثواب اللَّه ورحمته، وأنه يعادي من تفضي موالاته إلى نقمة اللَّه وعذابه، ومعلوم أنه لا يفعل ذلك إلا من يؤمن بالبعث؛ فإنما يوالي من رجا منه منفعة الدنيا ويتولى عمن يضره في هذه الدنيا، واللَّه أعلم.
رقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَتَوَلَّ).
يعني: من يتول عن طاعة اللَّه فيما أمره من معاداة من عادوا ربهم.
(فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
يعني: عن طاعة الخلق؛ ليعلم أن ما أمرهم به لم يأمرهم لحاجة له في طاعتهم أو لمنفعة ترجع إليه؛ بل هو غني عن كل ذلك؛ وإنما أمرهم لحاجتهم إلى ذلك، ولما علم أن منافع طاعتهم ترجع إليهم خاصة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْحَمِيدُ) له معنيان: معنى: الحامد، ومعنى: المحمود.
فإن كان المراد منه: المحمود، ففيه أن اللَّه - تعالى - يستحق الحمد من خلقه بما أنعم عليهم.
وإن كان المراد: الحامد، فمعناه: أن اللَّه يحمد الخلق ويشكرهم، حتى يجزيهم بالكثير من الثواب عن القليل من الأعمال فيتفضل عليهم بأعمالهم، فهو حميد من هذين المعنيين.


الصفحة التالية
Icon