فضلا من أن يأتوا بمثله؛ فدل أنه قد أتم نوره بالنصر والغلبة والبراهين والحجج.
وإن كان المراد منه إظهاره؛ فإنه يرجى أن يظهر؛ على ما روي أنه إذا نزل عيسى - عليه السلام - لم يبق على وجه الأرض دين إلا الإسلام.
ثم قوله تعالى (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ) ليس فيه أنه كان به شيء من الكدر فصفاه؛ ولكن على ما ذكرناه من التأويل؛ فكذلك لا يجب أن يفهم من قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) أنه كان ناقصا فأكلمه بالشرائع؛ ولكنه على هذه الوجوه، يعني: أظهر الدِّين بالشرائع التي وصفناها في قوله: (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ)، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
وقال حين ذكر الإظهار: (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) لأن هَؤُلَاءِ كفروا بالرسول والكتاب، وذلك نعم اللَّه تعالى؛ فقال: (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، وأُولَئِكَ أشركوا به في التوحيد؛ فقال: (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) يعني: بما لو اتبعوه اهتدوا به.
وقوله: (وَدِينِ الْحَقِّ) له أوجه ثلاثة:
أحدها: أن يجعل الحق كناية عن اللَّه تعالى فكأنه قال: ودين اللَّه.
والثاني: أن يجعل الحق نعتا للدِّين؛ فكأنه قال: والدِّين الذي هو الحق من بين سائر الأديان.
والثالث: أن يقول: الذي يحق على كل أحد قبوله والانقياد له، واللَّه أعلم.
وقوله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) له وجهان:
أحدهما: أن يقول (لِيُظْهِرَهُ)، يعني: يظهر رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على غيره بما يحتاج في هذا الدِّين من النوازل؛ فيكون فيه بيان أن ما جاء عنه - عليه السلام - في هذه النوازل إنما هو بالوحي وبما أظهره اللَّه تعالى عليه.
ويحتمل: بإظهار هذا الدِّين في الأماكن.
قال: والدِّين: هو الخضوع والاستسلام لله تعالى، فحقيقته أن يجعل الأشياء كلها سالمة له.
وقوله: (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، قال الشيخ - رحمه اللَّه -: ويقتضي هذا: ولو كره المعتزلة؛ لأن إتمام نوره كان بالحجج، أو بالنصر والغلبة، أو بإظهاره في الأماكن كلها فإنما يكون ذلك بأفعال العباد، ثم أضاف اللَّه تعالى إلى نفسه؛ فثبت أن لله تعالى في


الصفحة التالية
Icon