لطائف وفواضل باقية، لم يعطنا ما لو أعطانا لم يصدر منا إلا الخير والطاعات؛ وسلمنا عن المعاصي وأنواع الشرور، وعصمنا؛ فيجب أن نكون متكلين على الطاعات؛ لنصل إلى تلك اللطائف، وهم لا يرون بقي عنده شيء من اللطائف، بل يقولون: قد أعطانا كل شيء حتى لم يبق عنده شيء من مصالح الدِّين؛ فيجب أن يكونوا ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
ثم قولنا: إن اللَّه تعالى ينجينا برحمته وبشفاعة من جعل له الشفاعة لا بأعمالنا، وعلى ذلك روي في الخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " لن يدخل أحد الجنة إلا برحمة اللَّه "، قيل: ولا أنت يا رسول اللَّه؟! قال: " ولا أنا، إلا أن يتغمدني اللَّه برحمته "، والمعتزلة يقولون: لا، بل ندخل بأعمالنا، وكذلك قول الخوارج.
وأصل قولنا: إن لله - عَزَّ وَجَلَّ - أن يعذب عباده على جميع المعاصي: على الصغائر والكبائر جميعاً، وله أن يغفر جميع المعاصي سوى الشرك والكفر، على ما ذكرنا من دلائل الآيات وغيرها.
وقوله: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا).
قوله: (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً) فرحمة الدنيا يدخل فيها الكافر والمؤمن جميعًا، فأما رحمة الآخرة، فهي للمؤمنين خاصة، هو كما ذكر في قصة موسى - عليه السلام - حيث قال: (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ)...) إلى قوله: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ...) الآية، وكقوله: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، كأنه يقول: قل هي للذين آمنوا، والذين لم يؤمنوا، ثم هي خالصة للذين آمنوا يوم القيامة؛ فعلى ذلك قوله: (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً)، هي رحمة الدنيا: المؤمن والكافر جميعا في تلك، فأما رحمة الآخرة ليست إلا للذين آمنوا، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَعِلْمًا) أي: علم ما فيها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) ويحتمل وجوهًا:
أحدها: (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا) من الشرك، (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) أي: دينك، وهو الإسلام.
والثاني: أي: (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا) عن الكبائر والفواحش (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) أي: طاعتك.
والثالث: (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا) عن جميع المعاصي صغائر أو كبائر واتبعوا طاعتك،