وقوله: (نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢)
قال بعضهم: (نُزُلًا) أي: رزقًا من غفور رحيم وهو من الإنزال، وقَالَ بَعْضُهُمْ: (نُزُلًا) أي: إنزالا في المنزل من غفور رحيم، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣)
كأنه يقول: ومن أحسن مذهبًا ومسيرة ممن دعا إلى اللَّه، أي: إلى توحيد اللَّه ودينه، أو دعا إلى المعروف والنهي عن المنكر، أي: دعا غيره إلى ذلك وعمل بنفسه، وهذا الحرف يجمع جميع الخيرات والطاعات، فإن كان قوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا) على ما ذكرنا من المذاهب والسيرة فكأنه يقول: ومن أحكم وأتقن مذهبًا وسيرة ممن ذكر، وإن كان على حقيقة القول فيكون قوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا) أي: ومن أصدق قولا ممن قال ما ذكر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
أي: اختار الانتساب إلى الإسلام من بين غيره من الأديان والمذاهب، وقد أبي سائر الفرق الانتساب إلى الاسلام سوى أهل الإسلام.
والثاني: انتسب إلى ما خص اللَّه سبحانه وتعالى تسميتهم به وهو الإسلام؛ كقوله تمعالى: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ)، وقوله: (أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)، وقال في حق إبراهيم - عليه السلام -: (أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، ويكون اسم المؤمن خاصًّا لأهل الحق؛ فإن اليهود والنصارى سلموا أنفسهم مؤمنين، ولا يمتنعون عن إطلاق اسم المؤمن ويمتنعون عن إطلاق اسم المسلم؛ ولهذا يقال: دار الإسلام، ولا يقال: دار الإيمان، وإن كان الإسلام والإيمان واحدًا؛ لاختصاص هذا الاسم بهَؤُلَاءِ، واللَّه أعلم.
أو يقال: إنه اختار النسبة إلى الإسلام، وغيرهم من الناس انتسبوا إلى ما لهم من العز في الدنيا والشرف فيها، وغير ذلك من الأسباب التي كانت لهم في الدنيا.
ثم اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هو رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هم المؤذنون، وعلى ذلك رويت الأخبار أنها نزلت في المؤذنين.