الوقائع تنزيلاً وعلى حسب الحكمة ترتيباً فالمصحف كالصحف الكريمة على وفق ما في الكتاب المكنون مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف، وحافظ القرآن العظيم لو استفتي في أحكام متعددة أو ناظر فيها، أو أملاها لذكر آية كل حكم على ما سئل وإذا رجع إلى التلاوة لم يمثل كما أفتى، ولا كما نزل مفرقاً بل كما أنزل جملة إلى بيت العزة ومن المعجز البين أسلوبه الباهر فإنه ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾.
الاتجاه الرابع:
هو الذي يقول بأكثر من المناسبة أنه بـ (النظام) الذي تعتبر المناسبة جزءاً من أجزائه وفرعاً من فروعه، ويمثل هذا الاتجاه المعلم عبد الحميد الفراهي الهندي ويقرب منه الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه (النبأ العظيم) يقول الفراهي في معرض بيان الفرق بين المناسبة والنظام: "قد صنف بعض العلماء في تناسب الآي والسور وأما الكلام في نظام القرآن فلم أطلع عليه، والفرق بينهما أن التناسب إنما هو جزء من النظام فإن التناسب بين الآيات بعضها مع بعض لا يكشف عن كون الكلام شيئاً واحداً مستقلا بنفسه، وطالب التناسب ربما يقنع بمناسبة ما وربما يغفل عن المناسبة التي ينتظم بها الكلام فيصير شيئاً واحداً، وربما يطلب المناسبة بين الآيات المتجاورة مع عدم اتصالها، فإن الآية التالية ربما تكون متصلة بالتي قبلها على بعد منها ولولا ذلك لما عجز الأذكياء عن إدراك التناسب فأنكروه، فإن عدم الاتصال بين آيات متجاورة يوجد كثيراً ومنها ما ترى فيه اقتضابا بيناً وذلك إذا كانت الآية أو جملة من الآيات متصلة بالتي على بعد منها، وبالجملة فمردانا بالنظام أن تكون السورة كلاماً واحداً ثم تكون ذات مناسبة بالسورة السابقة واللاحقة أو بالتي قبلها أو بعدها على بعد ما، كما قدمنا في نظم الآيات بعضها مع بعض فكما أن الآيات ربما تكون معترضة فكذلك ربما تكون السور معترضة. وعلى هذا الأصل ترى القرآن كله كلاماً واحداً ذا مناسبة وترتيب في أجزائه من الأول إلى الآخر فتبين مما تقدم أن النظام شيء زائد على المناسبة وترتيب الأجزاء".