أما الأول فلأنّ السّور كانت متلوّة في عهد النبي ﷺ وأمر الله النبي بالتّلاوة حسب تلاوة جبريل كما صرح به القرآن. وقد كان النبي _ ﷺ _ يعلم الناس السورة بالتمام ويسمع منهم فهذا القرآن المجموع في المصاحف ليس إلا على نسق ما جاء به جبريل عليه السلام، وقرأه على النبي في تلاوته الأخيرة، فلو صح ما زعم فَلِمَ أمرَ الله نبيه باتّباع قراءة جبريل؟ ولِمَ كان يأمر بوضع الآيات بمواقعها الخاصة.
أما الثاني _ فلأن الآية المدخولة لا تقطع النّظم إذا دخلت في موضع يليق بها، والآيات المدخولة كلها معلومة الربط بما قبلها أو بعدها. وقد قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾.
وإما أن يقول بأن الله تعالى لم يُرِدْ أن يُنَزّل كلاما منظما كما لم يُرِد أن يجعله شعرا أو سجعا أو غير ذلك مما يراعى فيه المتكلم من البدائع والتكلف إنما هو كلام أُريد به الهداية والحكمة فأنزل حسب ما اقتضت الأحوال من الدلائل والشرائع. وربما اجتمع المقتضيات من وجوه مختلفة، فأنزل مراعيا لتلك الوجوه المتباينة سورة جامعة لمطالب مختلفة، احتيج إليها في زمان نزولها. والأحوال والحوادث، واقتضاءاتها تجمع من علل متباعدة في زمان واحد. فالسورة تجمع هذه الجمل كلها تكون على حِدّتها في غاية الحُسْن والنّظام، وأما مجموع هذه الجمل فلا معنى لالتماس النظام فيه. وقد بيّن ذلك بعض أكابر العلماء فأقول لولا رعاية النظم فيه لما وجدنا الكلام الطّويل مبنيا على أسلوب جامع أو كلمة ناظرة إلى كلمة سابقة بعيدة عنها. مثلا ﴿هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ قد سبق في أول سورة البقرة ثم جرى الكلام حتى عاد إلى ذكر أهل التقوى، فجاء قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ ناظرا إلى ما سبق، والتّأمل في نظم ما بينهما وفي ما بعد ذلك يبيّن أن ذلك ليس بمحض الاتفاق ولذلك أمثلة كثيرة أوضح مما ذكرنا.
أما الدليل الثاني الذي يعتمد عليه الشوكاني في حكمه، وهو قياسه على كلام العرب وقصائدهم وخطبهم لأنه نزل بلغتهم فإننا نقول فيه: إن القرآن