ثانياً: لا توجد آية كونية ورد الإشارة إليها في كتاب الله، إلا وهي مدركة لجميع المخاطبين بها، يستوي في ذلك المتقدمون والمتأخرون، فالمتقدمون قد فهموا المراد بها على نحو ما انتهى إليه علمهم، وأدركوا دلالتها على ما سيقت له، وإنما حصل للمتأخرين زيادة في معرفة التفاصيل، ولعل مما يشبه ذلك معرفتنا اليوم بمعاني الآيات التي تتحدث عن أهوال يوم القيامة، ثم مشاهدتها على الواقع حين حصولها، فمعرفتنا اليوم بالمعاني كمعرفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتلك المعاني، ومعرفتنا يوم نرى الواقع كمعرفة العلماء اليوم (١).
أما العلم الحديث فإن القضايا العلمية التي يفسرها لا يدركها إلا الخواص من الناس، ولا يوصل إليها إلا بالمراس.
ثالثاً: أنه ليس هناك تعارض أو تناقض بأي حال، ولا من أي نوع بين أي نص قرآني صريح في دلالته، وبين أي حقيقة علميه بلغت يقين المعاينة، والمشاهدة، ضرورة أن خالق الكون سبحانه هو منزل القرآن الكريم، ولن يكون تناقض أبدا بين قول الله تعالى وبين خلقه ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ (٢)، أما العلم الحديث فإن ما أثبته بالأمس نقضه اليوم، وما يثبته اليوم سينقضه بالغد.
رابعاً: أن بعض الحقائق التي وردت في القرآن والسنة لا يمكن أن تدخل تحت العلم التجريبي (٣)، مثل خلق الكون، والإنسان، والأمور المستقبلية الغيبية مما يحدث للكون عند قيام الساعة (٤).
خامساً: القرآن يقرر القضية حقيقة حيث كانت وانتهت، وهي حقائق قطعية، فهو تقرير من العليم بأسرارها، الخبير بدقائقها، المحيط بعلومها ومعارفها: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ

(١) انظر: منهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة والربوبية: ٣٠٢.
(٢) الأعراف: ٥٤.
(٣) انظر: قضية الإعجاز العلمي بين المؤيد والمعارض: ٣٨، ومناهج البحث العلمي: ١٣١ - ١٣٢، وصراع مع الملاحدة حتى العظم: ٣٢.
(٤) انظر: مناهج البحث في العقيدة: ٣٠٠، وكبرى اليقينيات الكونية: ٢٢٥.


الصفحة التالية
Icon