قدر الله شيئاً؟ فقال: «هي من قدر الله» (١).
فبين -صلى الله عليه وسلم-: " أن الأسباب التي تدفع بها المكاره هي من قدر الله ليس القدر مجرد دفع المكروه بلا سبب" (٢).
فالمسلم يأخذ بالأسباب؛ لأنه مأمور بالأخذ بها، ويعمل وفق السنة لأنه مأمور بمراعاتها، لا لأنه يعتقد أن الأسباب والوسائل هي المنشئة للمسببات والنتائج، فهو يرد الأمر كله إلى خالق الأسباب، ويتعلق به وحده من وراء الأسباب، بعد أداء الواجب والسعي والعمل واتخاذ الأسباب امتثالاً وطاعة لأمر الله (٣).
ويعتقد أن هذا السبب من الله، وأن الله لو شاء لأبطل أثره، ولو شاء لأبقاه، وأنه لا أثر للسبب إلا بمشيئة الله -عز وجل- (٤).
ويعلم أن الأخذ بالأسباب بمسبباتها، فربط المطر بوجود السحاب، وربط إنجاب الولد بالزواج، وربط دخول الجنة بالعمل الصالح، فالمسبَّب لا يقع إلا إذا وقع سببه، لكن قد يقع السبب، ويختلف عنه سببه لحكمة يعلمها الله تعالى، فقد يوجد السحاب ولا يوجد المطر، لكن لا يوجد مطر إلا بسحاب، وقد يوجد الزواج ولا يوجد الولد، لكن لا يوجد ولد إلا بجماع بالأسباب المعتادة.
"ذلك أن شأن الأسباب تحصل عند مسبباتها، وقد يختلف ذلك بمعارضة أسباب أخرى مضادة لتلك الأسباب الحاصلة في وقت واحد، أو لكون السبب الواحد قد يكون سبباً لأشياء متضادة باعتبارات فيخطئ تعاطي السبب في مصادفة المسبب المقصود" (٥).

(١) رواه الترمذي، كتاب الطب، باب ما جاء في الرقى والأدوية: ٣٤٣ برقم (٢٠٦٥) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء: ٣٧٢ برقم (٣٤٣٧).
(٢) رسالة في تحقيق التوكل لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن جامع الرسائل، تحقيق: محمد رشاد سالم، دار العطاء، الرياض، ط ١: ٩٤.
(٣) انظر: مجموع الفتاوى: ١/ ١٣٧، والجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم، تحقيق: محمد جميل غازي، مطبعة المدني: ١٨.
(٤) القول المفيد في شرح كتاب التوحيد: ١/ ١٨٣ - ١٨٤.
(٥) تفسير التحرير والتنوير: ١٣/ ٢١ - ٢٢، وانظر: مجموع الفتاوى: ٨/ ٧٠، ١٣٣، وكلاما كثيرا لعلماء الطبيعة في تخلف الأسباب عن المسببات، وأن هذا أمر معروف، في كتاب الشواهد والنصوص من كتاب الأغلال على ما فيه من زيغ وكفر وضلال بالعقل والنقل لمحمد بن عبد الرزاق حمزة، نشر: عبد الله محمد بابا الشنقيطي: ٢٦ - ٣٥.


الصفحة التالية
Icon