وفي آيات الله الكونية حقائق كثيرة تقف العقول حيارى أمامها، وقد تشهد آثارها ولا تستطيع تعرف كنهها، كحقيقة الروح والعقل.
"فمن أراد أن ينظر في خلق الله وقدرته عليه أن يذكر هذه الحقيقة، وهي ثبوت الحق والحكمة والنعمة في جميعها، وإمكان عجز عقله في بعض المواضع والأحوال عن إدراكها، فيكون عمله في خلق الله هو النظر والبحث والتحليل والاكتشافات واستجلاء الحقائق الكونية، واستخراج الفوائد العلمية والعملية إلى أقصى حد توصله إليه معلوماته وآلاته، حتى إذا انتهى إلى مشكل استغلق عليه اعترف بعجزه" (١).
وقد دل القرآن على أن كل شيء يحدث بسب سواء كان هذا الحدث يتعلق بالجماد أو بالنبات أو بالحيوان أو بالإنسان أو بالأجرام السماوية أو الظواهر الكونية المادية المختلفة"فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسب، والله خالق الأسباب والمسبَّبات" (٢).
فمن الأسباب المادية قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (٣). ومن الأسباب المعنوية قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (٤).
والقرآن مملوء من ترتيب الأحكام الكونية والشرعية على الأسباب بطرق متنوعة (٥).
والحوادث في عالم الكائنات سواء كانت من الذوات أو من الأفعال البشرية أو الحيوانية فلابد لها من أسباب متقدمة عليها، بها تقع في مستقر العادة، وعنها يتم كونها.
(٢) مجموع الفتاوى: ٨/ ٧٠.
(٣) البقرة: ٢٢.
(٤) الأعراف: ٩٦.
(٥) انظر: مدارج السالكين: ٣/ ٤٩٨، والجواب الكافي: ١٩.