للقدرة، وإتماماً لعجائب الصنعة، وتحقيقاً لما سبقت به المشيئة، وحقت به الكلمة وجرى به القلم" (١)، وهذا لا يعني رفض مبدأ السببية بل ينبغي الإقرار بأن لكل سبب نتيجة (٢).
فالله يأمرنا أن نأخذ بالأسباب وأن نتبع هذه السنن ونفوض أمرنا إليه وحده
لا شريك له.
قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ (٣).
فسنن الله المادية وأسبابها ثابتة لكن الله -عز وجل- إذا شاء أن يخرقها خرقها. فقد يوجد المسبَّب بدون السبب المعتاد، فيحصل الولد بدون جماع، مثل خلق آدم -عليه السلام- من غير أب ولا أم، وولادة عيسى ابن مريم -عليه السلام- من غير أب، فإن الله -عز وجل- يخلق السبب، ويخلق بالسبب، ويخلق بغير السبب، قال تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (٤)، وفي هذا بيان لقدرة الله تعالى على إيجاد المسبَّبات العاديات من غير سبب ظاهر.
والنار تحرق بإذنه سبحانه وتعالى، فإذا أمرت أن تمتنع من الإحراق امتنعت كنار إبراهيم -عليه السلام-، قال تعالى: ﴿قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ (٥).

(١) إحياء علوم الدين: ٢/ ٣٢.
(٢) انظر: كبرى اليقينيات الكونية: ٢٨٦.
(٣) الواقعة: ٦٣ - ٧٤.
(٤) آل عمران: ٥٩.
(٥) الأنبياء: ٦٩.


الصفحة التالية
Icon