عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى مخيلة (١) في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سري عنه (٢)، فعرفته عائشة -رضي الله عنها- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وما أدري لعله كما قال قوم: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ (٣)... الآية» (٤).
لكن ينبغي عدم الجزم بوقوع الآية (٥)؛ لان من يخبر بوقوع الآية الكونية لا يكون مصيباً في جميع الأوقات، بل قد يخطئ في حسابه، ولا يلزم تصديقه على كل حال (٦).
والله تعالى هو المتفرد بعلم الغيب والجزم بوقوع شيء غائب على سبيل التحقيق من ادعاء علم الغيب الذي نهى الله عنه، كما في قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (٧).
قال القرطبي (٨) -رحمه الله-: " قال علماؤنا: أضاف سبحانه علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية من كتاب الله، إلا من اصطفى من عباده فمن قال: إنه ينزل الغيث غداً وجزم به فهو كافر، أخبر عنه بأمارة ادعاها أم لا" (٩)؛ لادعائه لعلم استأثر الله به، أما إذا لم يجزم بذلك،
(٢) أي: كشف عنه الخوف. المصدر السابق: ٢/ ٣٦٤.
(٣) الأحقاف: ٢٤.
(٤) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ: ٦١٦ برقم (٣٢٠٦).
﴾ (٥) انظر: مجموع الفتاوى: ٢٤/ ٢٥٨، ومجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم، جمع: الشيخ عبد الرحمن بن قاسم، ط٢: ١/ ١٦٨ - ١٧٠.
(٦) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري لعبد الله بن محمد الغنيمان، دار العاصمة، الرياض، ط٢: ١/ ١٠٠.
(٧) الأنعام: ٥٩.
(٨) هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي المالكي المفسر، من مصنفاته: الجامع لأحكام القرآن، والتذكرة بأمور الآخرة، والكتاب الأسنى في أسماء الله الحسنى، وغيرها من الكتب، توفي عام ٦٧١.
انظر: الديباج المذهب لمعرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون المالكي، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث، القاهرة، ط٢: ٢/ ٢٤٣، وشذرات الذهب: ٧/ ٥٨٤.
(٩) تفسير القرطبي: ٧/ ٢.