جذر قلوب الرجال ونزل القرآن، فقرؤوا القرآن وعلموا من السنة» (١).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «بينما جبريل قاعد عند النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» (٢).
ولما أنكر اليهود النسخ في الشرائع وأن ذلك مستحيل عقلاً، بين الله -عز وجل- أن له ملك السماوات والأرض، وأنه يتصرف فيهما بما يشاء، وأنه الفعال لما يريد، ولا راد لحكمه، وأنه يأمر بما يشاء، وينهى عما يشاء، وأنه ينسخ ويبدل في أحكامه التي يحكم بها بين عباده، وأن الخلق عليهم السمع والطاعة في ذلك كله (٣)، قال تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ (٤).
١٢ - صفة العلو:
قد دلت هذه الآية الكونية على صفة العلو من عدة جهات:
أ- إخبار الله -عز وجل- عن نزول الأمر من السماء إلى الأرض، وهو يدل على علو الله، قال تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ (٥)، وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ

(١) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ١٣٨٨ برقم (٧٢٧٦).
(٢) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة: ١/ ٥٥٤ برقم (٨٠٦).
(٣) تفسير الطبري: ١/ ٥٥٥.
(٤) البقرة: ١٠٦ - ١٠٧.
(٥) السجدة: ٥.


الصفحة التالية
Icon