أن الكون كان هادئاً ومطيعاً، وانه يوافق قول الله تعالى عن السماء في بداية الخلق" (١): ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ (٢).
والجواب أن هذه التأويلات والتحريفات باطلة؛ فإن الله -عز وجل- قادر على مخاطبة الجمادات (٣)، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ (٤).
وما في نطق السماء من العجب؟ " والله تبارك وتعالى ينطق الجلود، والأيدي، والأرجل، ويسخّر الجبال والطير، بالتّسبيح. قال تعالى: ﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ (٥)، وقال: ﴿يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ (٦)، أي سبّحن معه، وقال: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ (٧)." (٨).
وهذا القول لا شيء يدفعه، والعبرة به أتم والقدرة فيه أظهر (٩).
كما أن الله -عز وجل- خاطبهما خطاب من يعقل، وذكر جوابهما، وكان الجواب لجمع العقلاء فقال: ﴿طَائِعِينَ﴾، ولم يقل طائعتين على اللفظ، ولا طائعات على المعنى، لأنهما سماوات وأرضون، لأنه أخبر عنهما وعمن فيهما، ولما وصفهن بالقول والإجابة وذلك من

(١) المرجع السابق: ٣١.
(٢) فصلت: ١١.
(٣) انظر: مبحث عبودية الكائنات: ٦٥.
(٤) الأحزاب: ٧٢.
(٥) ص: ١٩.
(٦) سبأ: ١٠.
(٧) الإسراء: ٤٤.
(٨) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، ط ٢: ١١٣.
(٩) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ٧/ ٤٦٨.


الصفحة التالية
Icon